بُعْدٌ .. و .. مسَافَة* *مصطفى ابوالعزائم* *بداية .. و .. نهاية!*
*بُعْدٌ .. و .. مسَافَة*
*مصطفى ابوالعزائم*
*بداية .. و .. نهاية!*
ظللت أتابع حلقات إذاعية حوارية مع البروفيسور أحمد إبراهيم أبوشوك ، أجراها معه إبننا الإذاعي المتمكن الأستاذ عماد البشرى في إذاعة المساء ، وهو محاور يستذكر شخصية ضيفه قبل أن يدخل معه إلى الإستديو ، ولصاحبكم تجربة معه من خلال ثلاث حلقات في برنامجه ” أسمار المساء ” وهي حلقات لمست تفاعل مستمعي البرنامج معها.
وبمناسبة هذه الحلقات التي يتم بثها هذه الأيام مع بروفيسور أبوشوك ، أذكر أنني فرغت قبل فترة ، من قراءة أحد أهم المراجع السّياسيّة المرتبطة بقضية جنوب السّودان ، الذي إنفصل وتحول الى دولة مستقلة قبل نحو عقد من الزمان ، والمرجع المشار إليه ، دراسة علمية محكمة ، أعدّها الدكتور عبد الرحمن خضر حسن ، تحت عنوان (الأبعاد الدينية والسياسية لقيام دولة جنوب السودان .. وتأثيرها على المحيط العربي والاسلامي – دراسة علمية محكمة- ) وقدم لهذه الدراسة القيّمة كُلّ من البروفيسور أحمد ابراهيم أبو شوك أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة قطر بالدوحة ، والدكتور إسماعيل عثمان محمد الماحي الذي إستند على خبرة في جولات التفاوض بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في دارفور السّودان ، بينما حكّم تلك الدراسة كُلّ من البروفيسور حسن حامد حسين مشيكة استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم ، والدكتور صالح أحمد التوم ، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم وعضو إتحاد البرلمانيين العرب في ذلك الوقت .. وفي تقدير الكثيرين فإن قضية إنفصال أو إستقلال جنوب السودان ، ستظل ماثلة أمام الوحدويين في شمال السودان وجنوبه على السواء .
وبهذه المناسبة أذكر أن حج عام 1435هـ الذي صادف العام 2014 م ، كان فرصةً طيّبة للوقوف على أبعاد قضايا الجنوب ، وإرتباطها بالوطن الكبير ، إذ كُنّا رفقةً واحدةً ، مع الدكتور عبد الرحمن خضر حسن ، ولم يغِب جنوب السّودان المنفصل عن حواراتنا طوال رحلة حجّ ذلك العام ، على إعتبار إن ذلك همٌّ قومي ، مرتبط بالأمن الوطني في كلياته الإجتماعية والإقتصادية والدينية ، وقد إلتقينا هناك في الأراضي المقدّسة بالدكتور إسماعيل عثمان الماحي ، الرئيس العام لجماعة أنصار السُنّة المحمّديّة ، وثاني إثنين قدّما لذلك الكتاب القيّم ، وكانت اللقاءات فرصة للتعرّف على رؤية جماعة انصار السنة المحمدية السّياسيّة والعامة لقضية إنفصال جنوب السّودان .
هناك وعلى صعيد عرفات الطاهر إلتقيت بمجموعة كبيرة من حجاج دولة جنوب السّودان ، زاد عددهم عن المائة كُنّا في مخيّمٍ واحد ؛ وقد لفت إنتباهي غضب بعض حجاج دولة جنوب السّودان عندما وجدوا إن علم جمهورية السّودان وضع فوق العبارة التوضيحية على باب مخيّم حجاج دولة الجنوب ، وقام بعضهم بحجب علم السّودان بورقة بيضاء ، فقلت له إن حدث لنا هذا الأمر ما كُنّا سنغضب هذه الغضبة ، لأن الروح واحدة لكنها حلّت في جسدين .
هناك إلتقيت بالأخ (الحاج) متوكّل الذي كان مديراً لمكتب الفريق سلفاكير ميارديت عندما كان الأخير نائباً اول لرئيس جمهورية السودان قبيل انفصال الجنوب، وبيننا معرفة منذ ذلك الوقت وقد نادى علىّ مذكّراً بنفسه وقال لي (أنا دينكاوي جعلي… ابوي من أم دوم وأمي دينكاوية) وإلتقيت بأكثر الحجّاج من أبناء دولة جنوب السّودان ، وقد وجدتهم من أكثر النّاس حرصاً على أداء مناسك الحج على وجهها الصحيح.. فتذكّرت لحظة ذاك كتاب الدكتور عبد الرحمن خضر حسن الذي أهداني نسخة منه قبيل أداء الفريضة بأيام قليلة ، وقد تصفّحته وقتها على أمل قراءته لاحقاً حتى أقف على مسارات البحث التي سار عليها الباحث للكشف عن الأبعاد الدينيّة والسّياسيّة لقيام دولة الجنوب ، وتأثيرات تلك الأبعاد على المحيطين العربي والإسلامي .
البحث القيّم يقوم على عنوان خطير هو (تقسيم السودان: نهاية صراع .. وبداية مواجهة) ، ثم يتحول الى مشروع تنصير الجنوب ودور الإستعمار والإرساليات التبشيريّة ، ومحاولات الفاتيكان الأولى للتنصير ، ثم محاولات إقصاء الإسلام من جنوب السودان في الحقبة الإستعمارية ، مع محاربة اللغة العربية ، والحلم الغربي بتحقيق مشروع الدولة المسيحية .. و و و و .. وتفصيلات دقيقة عن هذه القضية الخطيرة التي يرى البعض أنها قد توقفت عند حد الإنفصال ، لكنها تأخذ الآن في التحوّل نحو مآلات ونتائج أخرى قد لا نتوقعها ، لن تهزّ الجنوب وحده.
شكرا للدكتور عبد الرحمن حسن خضر على بحثه القيم الذي نأمل ان مكانه المستحق في مراكز دعم واتخاذ القرار بالسودان.
Email: sagraljidyan@gmail.com