صديق رمضان… يكتب… الكوليرا بكسلا.. الحقيقة مُجرّردة

صديق رمضان… يكتب… الكوليرا بكسلا.. الحقيقة مُجرّردة

#رصد_السلطة

 

صديق رمضان… الكوليرا بكسلا.. الحقيقة مُجرّدة

 

قبل أعوام عند زيارتي مكة المكرمة لأداء العمرة حدّثني أحد أصدقائي من أبناء الجزيرة الذي كان يعمل مُشرف بشركة نظافة بذات المدينة المقدسة عن طبيعة عمله، وأشار إلى أنه مسؤول عن متابعة العمل الميداني لعدد يفوق ال 800 عامل نظافة، وقال انهم عدد من المشرفين ويعملون بنظام الورديات، وعلمت منه أن الشركة التي يعمل معها ضمن شركات تتولى عمليات النظافة بمدينة مكة المكرمة وان عمل شركتهم ينحصر في جزء محدد من المدينة.

 

تذكّرت حديث صديقي أكثر من مرة في الفترة الأخيرة،خاصة بعد إنتشار الكوليرا في معظم ولايات البلاد منها كسلا التي وللمفارقة ورغم أنها تُصنّف من ضمن الولايات السياحية إلا أن إصحاح البيئة فيها لا يندرج ضمن اهتماماتها وهو الأمر الذي يفسر أسباب تفشي الوباء الذي اودي بحياة عدد من المواطنين.

 

نعم لايمكن عقد مقارنة بين السودان والسعودية من حيث الإمكانيات والإستقرار فالكفة ترجح لصالح أرض الحرمين، ولكن هل يحتاج إصحاح البيئة إلى إمكانيات مالية ضخمة، بكل تأكيد لا، يحتاج فقط الي توفر القناعة والإرادة من قبل الجهات المسؤولة خاصة بكسلا والتي استنادا على المعطيات لا تمتلك أدنى إرادة ولا تكترث بمسؤولياتها في هذا الصدد.

 

هل يعقل أن تكون هناك محلية تضم أكثر من 200 ألف نسمة ولايوجد بها ولو عامل صحة واحد دع عنك آليات ومعدات وإدارة للنظافة، هل يعقل حدوث هذا بإحدى المقاطعات او الوحدات الإدارية بإحدى دول الجوار وليس الخليج.

 

للأسف هذا الأمر شاخص وواقع في أكثر من محلية بكسلا، وهو أمر غريب لا نجد له أدنى تفسير منطقي غير أنه فشل زريع من هرم السلطة بالولاية إلى أدنى مستوياتها،لأن من يعتقد بعدم أهمية وجود إدارة مختصة إصحاح البيئة لا أعتقد أنه يمتلك ثقافة في إدارة شأن الناس.

 

في زيارتنا لإحدى محليات كسلا وهي محلية استراتيجية وشاسعة المساحة وذات كثافة سكانية وجدنا أن عدد عمال النظافة يبلغ 6 فقط ودون اي معينات، ليس ذلك وحسب بل الراتب الشهري للواحد منهم يبلغ 24 ألف جنيه، نعم 24 ألف فقط، هل هذا أمر منطقي.

 

حتى في حاضرة الولاية وقد قضيت عاماً كاملاً بحي الحلنقة وسط لم يسبق أن شاهدت عمل من قبل المحلية لإصحاح البيئة وعمليات النظافة، حتى إننا استسلمنا لثنائية الذباب والبعوض واصبحنا ضحايا لأمراض البيئة.

 

وفي خضم كل هذا التقصير لم نسمع بمحاسبة أحد على أسباب تفشي الكوليرا، ولم يتقدم مسؤول باستقالته لشعوره بالذنب، وأكثر ما يفلح فيه بعض المسؤولين هو ركل بالكرة بعيدا عن ملعبهم وتحميل المواطن المغلوب على أمره المسؤولية وهذا قفز فوق أسوار الحقيقة وهروب عن مواجهتها.

 

المواطن ليس مسؤول عن إنشاء وحدات إصحاح البيئة ولا عن تعيين عمال النظافة واستجلاب المعدات والآليات وتنظيم حملات المكافحة، المواطن ليس مسؤول عن تنقية مياه الشرب، مسؤوليته تنحصر في نظافة بيته ووضع النفايات خارجه لتحضر السيارة المخصصة لحملها.

 

وبما أن المحليات اثبتت فشل زريع وواضح لايمكن انكاره في عمليات إصحاح البيئة وتنقية مياه الشرب فمن الأفضل أن تفسح المجال أمام القطاع الخاص، فإن يتعاقد تجار سوق او سكان حي مع شركة نظافة أفضل مليون مرة من ترك الأمر للمحليات، ونتمنى من أصحاب المال بكسلا الإستثمار في هذا المجال بإنشاء شركات متمكنة للاستفادة ماديا ولتوفر لنا حياة خالية من أمراض البيئة.

 

خارج النص

نبدو في امسّ الحوجة للشفافية وترتيب اولوياتنا، وليس من المنطق أن نتحدث في العام 2024 عن إصحاح البيئة وهو أمر تجاوزه العالم قبل عقود طوال.

 

كامل الدعم والدعوات للأهل باروما الذين تحاصرهم مياه القاش والمرض، وشكرا العمدة هساي اونور على مبادرتك الكريمة بتوفير الطعام لمدة أسبوع للمرضى في المستشفى.