سيطرة الدعم السريع على الفاشر: التداعيات والأبعاد
رصد السلطة
(تقرير: مركز رصد بوابة السودان)
تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، على وقع توترات متزايدة مع اقتراب قوات الدعم السريع من السيطرة الكاملة عليها، وسط مشهد متشابك تتداخل فيه المصالح العسكرية والسياسية والقبلية. هذه المدينة، التي كانت تاريخيًا محطة للاستقرار النسبي في الإقليم المضطرب، أصبحت اليوم ساحة جديدة لمعارك مفتوحة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
الدعم السريع والانتشار في دارفور:
كانت قوات الدعم السريع في السابق مجرد قوات صغيرة تعمل تحت مظلة الحكومة المركزية في الخرطوم بالتنسيق مع أجهزتها الأمنية والعسكرية، وكان دورها الأساسي يكمن في محاربة حركات التمرد المسلح في دارفور. وقد حققت انتصارات كبيرة في هذا الصدد، مما ساهم في بسط نفوذ الحكومة المركزية في الإقليم، وهو ما أكسبها ثقة ودعم الرئيس المخلوع عمر البشير.
في عام 2013، تم تقنين وضع هذه القوات رسميًا من خلال قانون أُجيز داخل المجلس الوطني (برلمان النظام السابق)، والذي حدد تبعيتها للمؤسسة العسكرية مع احتفاظها بقدر من الاستقلالية تحت قيادة مباشرة من محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وأصبحت بموجب هذا القانون قوات عسكرية رسمية مثلها مثل الجيش السوداني.
بعد سقوط حكومة الرئيس عمر البشير في أبريل 2019 عقب الثورة الشعبية التي اندلعت في ديسمبر 2018، استمر المجلس العسكري في دعم وجود قوات الدعم السريع كقوة مؤثرة في المشهد العسكري والأمني السوداني، بل منحها المجلس العسكري المزيد من الاستقلالية، بموجب مرسوم أصدره في 30 يوليو 2019، حمل توقيع رئيس المجلس الجنرال عبد الفتاح البرهان. بعدها، أصبح حميدتي لاعبًا رئيسيًا في المشهد العسكري والسياسي وتم تعيينه نائبًا لرئيس المجلس السيادي، وهو المجلس الذي تقاسمه العسكريون مع المدنيين وفقاً للوثيقة الدستورية التي تم توقيعها بعد نجاح الثورة (أغسطس 2019)، والتي انتهت بتمزيقها بعد انقلابهما معًا على الشركاء المدنيين في 25 أكتوبر 2021.
تقدم الدعم السريع نحو الفاشر:
على مدى الأسابيع الماضية، شهدت المدينة هجمات متزايدة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني والقوات المشتركة المتحالفة معه، وهي قوات تتبع أغلبها لقائد حركة تحرير السودان (مني أركو مناوي). وقد ألحقت هذه الهجمات خسائر فادحة وسط الجيش والقوات المتحالفة معه. وتشير تقارير ميدانية موثوقة إلى تقدم كبير لقوات الدعم السريع نحو قيادة الفرقة العسكرية (السادسة مشاة) والمناطق الحيوية في المدينة بعد نجاحها في بسط نفوذها على المناطق المحيطة. وجاء هذا التقدم بعد قطع جميع طرق الإمداد للجيش السوداني، مما عزز من سيطرة قوات الدعم السريع على الطرق والممرات الرئيسية في كافة أرجاء الإقليم.
التداعيات: أزمة إنسانية تتفاقم
مع تصاعد الاشتباكات حول مدينة الفاشر، تفاقمت الأوضاع الإنسانية بشكل ملحوظ. عشرات الآلاف من المدنيين فروا من المدينة، وبعضهم باتوا محاصرين وسط نيران المعارك، غير قادرين على الفرار بسبب الحصار العسكري المفروض من الجانبين، في حين تشير معلومات إلى ارغام بعض المدنيين على القتال قسراً بجانب الجيش والحركات المسلحة.
وأدى إغلاق الأسواق والمرافق الحيوية إلى نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية ، كما يعاني السكان من نقص في المياه الصالحة للشرب.
منظمات الإغاثة، التي ظلت تعمل في مخيمات النازحين بدارفور لسنوات، تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى المحتاجين. وتزايدت مخاوف المجتمع الدولي من تحول الفاشر إلى “ساحة حرب طويلة الأمد”، ما قد يفاقم من الكارثة الإنسانية غير المسبوقة.
ورغم أن قوات الدعم السريع تبدو في طريقها لحسم المعركة لصالحها، فإن التساؤلات حول قدرتها على بسط الأمن وتحقيق الاستقرار في المدينة تظل قائمة، خاصة مع تزايد المخاوف من احتمالية تحول المدينة إلى ساحة فوضى مما يزيد من معاناة السكان.
الأبعاد السياسية للصراع على الفاشر
سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر ستترك تداعيات سياسية هائلة على المستويين المحلي والوطني، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي. وتعد المدينة رمزًا للاستقرار النسبي في الإقليم بأكمله، واستيلاء قوات الدعم السريع عليها سيشكل ضربة كبيرة للجيش السوداني الذي امتدت سيطرته على الإقليم لما يقارب الأربعة عقود، كانت المدينة فيها مركز استخباراته الرئيسي. كما ستعزز سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر من موقع (حميدتي) في صراعه مع قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي يحظى بدعم النظام الإسلامي الذي أسقطه الشعب في ثورة ديسمبر 2018.
على المستوى الإقليمي والدولي، قد يدفع ذلك بعض الأطراف الخارجية الداعمة للجيش عسكريًا إلى التدخل بشكل أكبر، ما يعقد الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السودانية.
الخيارات المتاحة أمام الجيش:
في ظل هذه التطورات، يبدو الجيش السوداني في موقف لا يحسد عليه. وخسارة الفاشر ستكون ضربة نفسية ومعنوية كبيرة لقواته، خاصة أنها تمثل مركزًا استراتيجيًا في دارفور والسودان عمومًا.
هناك تساؤلات حول ما إذا كان الجيش سيسمح بسيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، أو سيخوض معركة عنيفة أخيرة للدفاع عنها؟.
يرى مراقبون أن الجيش قد يضطر إلى التراجع مؤقتًا، خاصة في ظل الضغط المتزايد من قوات الدعم السريع، وفقدانه ميزة سلاح الطيران بعد التوغل الكبير لقوات الدعم السريع داخل المدينة، وجعل المسافة بينها وبين قوات الجيش والقوات المساندة له غير مناسبة للقصف الجوي، مما يجعل من الطيران في هذه الظروف سلاحًا ذا حدين، وقد ثبت ذلك عمليًا بعد قصف طيران الجيش لقواته والقوات المتحالفة معه عن طريق الخطأ مرتين. هذه التطورات تمنح قوات الدعم السريع أفضلية، خاصة وأنها قوات متمرسة في المعارك البرية، ما يزيد من احتمالية حسم المعركة لصالحها.
السيناريوهات المتوقعة:
تبدو سيناريوهات الفاشر مفتوحة على عدة احتمالات:
* سيطرة الدعم السريع الكاملة:
هذا السيناريو، وهو الأرجح بالنظر للتطورات على أرض المعارك في الفترات الأخيرة، ما يعني توسع نفوذ (حميدتي) وقواته في دارفور، وتعزيز موقعه في المفاوضات المستقبلية.
*معركة طويلة الأمد:
قد يختار الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه (حركة مني أركو مناوي) التي تخوض معركة وجود في الفاشر، خوض معارك انتحارية للدفاع عن المدينة، مما قد يؤجل حسم المعركة لصالح الدعم السريع. لكن هذا الخيار من المستبعد أن يؤدي إلى تحقيق انتصارات حاسمة لصالح الجيش على الأرض، خاصة في ظل فقدانه ميزة التفوق الجوي، الأمر الذي سيزيد من معاناة المدنيين.
*تدخل دولي أو إقليمي:
هذا الاحتمال يبدو مستبعدًا في الوقت الحالي بسبب الأوضاع الدولية، ودخول أمريكا ما يعرف بَـ(الفترة الحاسمة)، وهي عادة ما تبدأ في شهر أكتوبر قبل كل انتخابات رئاسية – بعد أقل من أسبوعين من الآن-، حيث يتركز اهتمام الرأي العام الأمريكي على الشؤون الداخلية.
ختامًا: بينما تستمر المعارك هنا وهناك، يبقى الشعب السوداني هو الخاسر الأكبر في حربٍ أشعلها الإسلاميون (15 أبريل 2023)، لإجهاض مسار العودة إلى الانتقال الديمقراطي، من أجل تحقيق حلم العودة إلى السلطة مرة أخرى عبر بندقية الجيش، وهي حرب لغاية الأسف لا يلوح في الأفق القريب نهاية لها.