د. مرتضى الغالي يكتب _ بورتسودان عاصمة الكيزان
إضغط هنا لمشاهدة الصحيفة كاملة
رصد _ السلطة
د.مرتضى الغالي
قد جعل الفلول مدينة بورتسودان الجميلة بيئة فاسدة بامتياز، بورتسودان ثغر السودان الباسم الوضيء التي كان يقول عنه سيد عبد العزيز (في الشرق المينا العظيمة، بيها الثغر بسم دلال) جعل منها الكيزان الآن مرتعاً وخيماً لاستئناف ما درجوا عليه من فساد وإفساد حيثما حلّوا وأقاموا.
بورتسودان حالياً حالها حال (المدينة الدستوبية) كما يقولون في مصطلحات الأدب الروائي العالمي عن حالة المكان الخبيث (غير المرغوب فيه) الذي (يعشعش) فيه الفساد وتسوده الفوضى والشر المطلق ويبعث على الخوف وينذر المهالك ، ويتسيّده الأقزام وتتهدده الكوارث، وتنطلق فيه غيلان الخراب والقمع والفقر والمرض، ويدير أمره المعاتيه ومعتلو الضمير ومرضى النفوس من شياطين الأنس، بحيث تقود هذه البيئة الوبيلة إلى أن يتجرّد فيها بعض البشر من آدميتهم ويتناسون إنسانيتهم وينحدرون إلى قاع الانحطاط شأنهم شأن المسوخ التي تناجز بعضها وتتناحر حول العظام والفتات.
(الدستوبيا) بهذا المعنى تناقض الخصائص المقابلة لـ (اليوتوبيا) وهي المدينة الفاضلة في الخيال الأدبي الإنساني التي تتجلى فيها القيم النبيلة والمشاعر السامية والكرامة المُصانة.
هكذا أصبحت (دولة الكيزان في مدينة بورتسودان) فساد سياسي، اقتصادي، واجتماعي، وفساد في الإدارة وفساد في البيئة، وانتشار كثيف للسرقات والاختلاس والسطو والسلب والنهب والمحاباة والمحسوبية والابتزاز والاحتكار والتزوير والتزييف والمغالاة والغلول و(بيع الغُرر) واستباحة المال العام بأسماء مختلقة لموظفين وهميين وإيجارات وهمية وبدلات وترقيات من وحي الخيال، وفوضى مريعة في مفاصل وزارات الانقلاب ومكاتبها وفروعها وإداراتها وبنوكها وصرافاتها السرية والعلنية التي تتاجر في العملات وفي (جيوب المواطنين) المقيمين والعابرين.
هكذا اجتمعت في بورتسودان القيادات العسكرية الهاربة من الخدمة للتفرغ لممارسة (السُباب والردحي) ومواصلة النهب، ومعهم ولاة ذممهم برخص التراب، وإداريون وسكرتارية أعادت سيرة دواوين الإنقاذ في عهد فسادها الأكبر، ومع هؤلاء تجار أزمات ومحتكرون من الكيزان يشربون دماء المواطنين (يمنعون الماعون) ولكنهم يحبون النهب حُباً جمّاً ويأكلون التراث أكلاً لمّاً.
وفي معية هؤلاء سماسرة من كل صنف ولون و(نكرات عطالى) قادمون من القاهرة يحسبون أنفسهم في السلك السياسي وهم من الرعاع الذين لفظتهم عوائلهم، وأصحاب عقارات نقل إليهم الكيزان أسوأ ما ينطوي عليه الأبالسة وأغنياء الحرب من فنون الجشع والمغالاة واستغلال حاجة الناس و(تصفير) جيوب العباد.
ومع كل هؤلاء وأولئك (جبريل إبراهيم) ثم مالك عقار (الذي أجاز قصف المدنيين) وإذا أضفت إليهم البرهان وياسر العطا وكباشي والوزراء المكلفين والوكلاء ومديري الإدارات و(أصحاب المواتر) وبقايا المؤتمر الوطني (وزيارات اركو مناوي) ستعرف من باب علم اليقين ما أصبحت عليه بورتسودان، وتعرف عندها معنى الجحيم، ثم سوف تراه (عين اليقين).
قرأنا مقالاً يقطر بالوجع والأسى لكاتب أريب لم يذكر أسمه وهو يحكي عن (بورتسودان تحت الحصار) وعن دمار القيم والفضائل واغتيال الأخلاق والمروة، وعن الإجراءات التي تمارسها حكومة جبريل إبراهيم من جباية وضرائب وعشور وقبانة وأتاوات، ورسوم شهادات المواليد والوفيات وشهادات الدراسة، ثم تصعيب الحصول عليها لإنعاش (سوق الكيزان الموازي) وفساد بعض صغار الموظفين وكبارهم تحت أعين جبريل وحكومته.
ولكن هناك واقعة واحدة مضحكة ومبكية إلى حد الفجيعة تلخص لك كل هذه (اللمة والهيلمة) وهي واقعة لقاء وزير الداخلية مع مجموعة شركات استشارية ألمانية (كما قال) لتعمير السودان بعد الحرب.
السودان يحترق والناس يُقتلون كل يوم داخل بيوتهم وفي الشوارع والميادين والقرى والمدن والفرقان وحكومة البرهان تعلن كل يوم عن مواصلة الحرب، ووزير الداخلية الموجود في بورتسودان يتحدث عن إعمار السودان مع مجموعة ألمانية للخدمات والاستشارات يسميها الوزير (الوفد الألماني).
وللاختصار نقول إن ادعاء وزير الداخلية إدعاء كاذب، هذه ليست مجموعة ألمانية، ورئيس هذه المجموعة الوهمية اسمه (حسين سليمان) – حتى وكالة سونا أقرّت بذلك- وهو سوداني (وليس من الجنس الآري) تحدثت المصادر بأنه يملك تسجيل شركة عائلية.
هل هذا الرجل هو الذي يريد إعمار السودان؟
وما علاقة وزير الداخلية بشركات البناء والاستثمار؟
يا ساتر ! هناك (ريحة سمك قوية) قادمة في الطريق الله لا كسّبكم !