هل ستغير قوات الدعم السريع من سلوكها بعد توقيع الميثاق التأسيسي مع الحركة الشعبية؟

هل ستغير قوات الدعم السريع من سلوكها بعد توقيع الميثاق التأسيسي مع الحركة الشعبية؟
الإعلانات

هل ستغير قوات الدعم السريع من سلوكها بعد توقيع الميثاق التأسيسي مع الحركة الشعبية؟

رصد – السلطة نت

بقلم /خالد كودي

يمثل توقيع قوات الدعم السريع على الميثاق التأسيسي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، والقوى الأخرى، نقطة تحول جوهرية في المشهدين السياسي والعسكري السوداني.

: هذا التوقيع يضع قوات الدعم السريع أمام اختبار مزدوج
أولًا، الالتزام الصارم بالمعايير الثورية والقانونية المنصوص عليها في الميثاق والدستور الانتقالي الذي وقّعت عليه. وثانيًا، مواءمة قواعد اشتباكها مع التوقعات العالية لأعضاء وجماهير الحركة الشعبية وحلفائها، بمن فيهم غير الموقعين على الميثاق، الذين سيحاسبونها بنفس المعايير الصارمة التي يخضعون لها جيشهم الشعبي.

الميثاق التأسيسي، الذي جرى توقيعه في نيروبي بين قوات الدعم السريع، الحركة الشعبية، وحركات الكفاح المسلح الأخرى، يضع إطارًا صارمًا للسلوك العسكري والثوري، مؤكدًا على احترام حقوق الإنسان، الالتزام بالقوانين الدولية، ورفض الإفلات من العقاب. ويعني أي التزام حقيقي ببنوده ضرورة شموله لجميع القوى العسكرية السودانية دون استثناء، بما في ذلك القوات المسلحة السودانية، التي لطالما تفادت المحاسبة على انتهاكاتها المتكررة.

يبقى السؤال الجوهري: هل ستلتزم قوات الدعم السريع بتعهداتها، أم أن توقيعها على الميثاق ليس سوى خطوة تكتيكية لا تغير من طبيعة ممارساتها على الأرض؟

: التزامات الميثاق التأسيسي /1
معايير قاطعة للسلوك الثوري:

أ. احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية
ينص الميثاق التأسيسي في الفقرة (3.2.1
على أن كل القوات المنضوية تحت الاتفاق تلتزم بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والالتزام بوقف استهداف المدنيين أو استخدام العنف ضدهم.
كما يؤكد الدستور الانتقالي في المادة (12-1
على أن القوات المسلحة وقوات الأمن يجب أن تلتزم بالقوانين الدولية المتعلقة بالحروب، بما في ذلك اتفاقيات جنيف، ويُحظر عليها استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال.
فهل تستطيع قوات الدعم السريع الالتزام بهذه المبادئ بعد سجل طويل من الانتهاكات؟

ب. المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب:
ينص الميثاق التأسيسي في الفقرة (5.3.4
على أن عدم الإفلات من العقاب مبدأ أساسي في بناء السودان الجديد، وأن كل من ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية سيُحاسب وفق القانون الدولي والمحاكم الوطنية المستقلة.
وينص الدستور الانتقالي في المادة (20-2
. على أن العدالة الانتقالية جزء لا يتجزأ من عملية السلام، ويجب تقديم مرتكبي الجرائم للمحاكمة دون استثناء
إذا كانت قوات الدعم السريع جادة في التزامها بالميثاق، فإن هذا يعني أنه لا مجال للهروب من المحاسبة على الجرائم السابقة.

ج. حماية المدنيين وعدم استهدافهم
ينص الميثاق التأسيسي في الفقرة (4.1.2
على أن كل القوات المنضوية تحت الاتفاق تلتزم بعدم استخدام العنف ضد المدنيين، وعدم ممارسة التهجير القسري، والالتزام بحماية أرواح الأبرياء.
وينص الدستور الانتقالي في المادة (15-3
على أن القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ملزمة بعدم شن أي هجمات تستهدف السكان المدنيين أو تعرّضهم للخطر المباشر. لكن هل تستطيع قوات الدعم السريع الالتزام بهذه المبادئ بعد سجلها الطويل في استهداف المدنيين؟

د. حماية الأسرى واحترام القوانين الدولية للحرب:
ينص الميثاق التأسيسي في الفقرة (4.3.5
على أن أسرى الحرب يتمتعون بكامل حقوقهم وفق اتفاقيات جنيف، ولا يجوز تعذيبهم أو إعدامهم أو إساءة معاملتهم
كما يؤكد الدستور الانتقالي في المادة (18-1
. على أن معاملة الأسرى يجب أن تتم وفقًا للقانون الدولي، وأي انتهاك لهذه القواعد يعتبر جريمة حرب تستوجب المحاسبة
هل يمكن لقوات الدعم السريع، التي لديها سجل حافل بتعذيب الأسرى والتوثيق وبث التعذيب، الالتزام بهذا النص؟

القوات المسلحة السودانية /2
سجل طويل من جرائم الحرب والإبادة الجماعية:
في حين تُسلط الأضواء على قوات الدعم السريع بسبب انتهاكاتها الجسيمة الموثقة لحقوق الإنسان، فإن القوات المسلحة السودانية ليست بأي حال من الأحوال بريئة من ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية جرائم الإبادة الجماعية الموثقة
على مدار العقود الماضية، كانت القوات المسلحة السودانية فاعلًا رئيسيًا في الانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين، مستخدمةً القصف الجوي العشوائي ولاتزال، التعذيب ولاتزال، التهجير القسري ولاتزال، والإعدامات خارج نطاق القانون، في تحدٍّ صارخ للقوانين الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان ولاتزال تفعل كل هذا بانتظام واضطراد مما يجعل هذه الممارسات منهجا لها

نماذج من جرائم القوات المسلحة السودانية الموثقة:
انتهاكات ممتدة عبر العقود!
القصف العشوائي بالطيران – دارفور (2003 – 2005
نفّذت القوات المسلحة حملات قصف جوي واسعة النطاق على القرى في دارفور، مما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين وتدمير البنية التحتية، وهو ما يشكّل انتهاكًا مباشرًا لاتفاقيات جنيف لعام 1949، لا سيما المادة 51 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف، التي تحظر الهجمات العشوائية ضد المدنيين
التطهير العرقي ضد مجتمعات الكنابي (2023) – حتى الآن.
في الآونة الأخيرة، قادت القوات المسلحة السودانية، إلى جانب الميليشيات الإسلامية المتحالفة معها، حملات استهداف مباشر لمجتمعات الكنابي في الجزيرة ومناطق أخرى.

تضمنت هذه الانتهاكات
علي هوياتهم. القتل الجماعي للمدنيين
. التهجير القسري، عبر حرق القرى وتدمير المنازل
.
النهب المنظم للممتلكات
. إغلاق الطرق ومنع الإمدادات الإنسانية، مما أدى إلى كوارث إنسانية في هذه المناطق
هذه الجرائم تشكّل خرقًا مباشرًا للبروتوكول الثاني الإضافي لاتفاقيات جنيف، الذي يحظر التهجير القسري والتطهير العرقي باعتبارهما جرائم حرب.

القصف الجوي العشوائي على الخرطوم ودارفور (2023 – 2024)
خلال الحرب الحالية، شنت القوات المسلحة السودانية ضربات جوية مكثفة على المناطق السكنية في الخرطوم ودارفور، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين.
هذه الهجمات العشوائية تنتهك المادة 51 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف، التي تحظر شن عمليات عسكرية دون تمييز، والتي قد تلحق أضرارًا غير متناسبة بالسكان المدنيين.

التعذيب والإعدامات خارج نطاق القضاء:
وثقت منظمات حقوقية حالات تعذيب وحشية واعتقالات تعسفية، طالت نشطاء سياسيين ومواطنين عاديين، إضافةً إلى إعدامات ميدانية خارج نطاق القانون نفذتها الأجهزة الأمنية التابعة للجيش السوداني.
هذه الجرائم تخالف بشكل صارخ المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر التعذيب والمعاملة القاسية، والمادة 6 التي تضمن الحق في الحياة.

إن تأييد القوات المسلحة السودانية مع التغاضي عن سجلها الحافل بالانتهاكات يفقد أي حديث عن حقوق الإنسان والمساءلة مصداقيته الأخلاقية. فلا يمكن لمن يدعم جيش بورتسودان أن يدّعي الدفاع عن القانون والعدالة بينما يتجاهل جرائم موثقة ارتكبتها هذه المؤسسة على مدى عقود، بدءًا من النزاعات في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، وصولًا إلى القمع الممنهج للمدنيين خلال الثورة السودانية وما تلاها.
إذا كان الدفاع عن حقوق الإنسان هو المعيار الحقيقي، فلماذا لم يطالب هؤلاء بمحاسبة القوات المسلحة السودانية على مجازرها وانتهاكاتها للقوانين الدولية؟
إن الانتقائية في الإدانة تكشف عن انحياز قائم على الولاء الإثني والمناطقي، وليس على مبادئ العدالة، وسنعالج هذا في مقالات اخري.

إن التركيز على تجاوزات طرف واحد، مع التغطية على جرائم طرف آخر، لا يمثل موقفًا أخلاقيًا، بل يعكس ازدواجية مفضوحة. وهذا ما يجعل داعمي الجيش الحالي في بورتسودان عاجزين عن تقديم خطاب متماسك ومقنع حول حقوق الإنسان في السودان.

المحاسبة واجبة على الجميع:
المساءلة ليست خيارًا انتقائيًا، بل ضرورة ملحة تفرضها العدالة، وهي تشمل كل من ارتكب جرائم حرب أو انتهاكات ضد المدنيين، بغض النظر عن الجهة التي ينتمي إليها. لا يمكن للقوات المسلحة السودانية أن تكون بمنأى عن المحاسبة، كما لا يحق لقوات الدعم السريع التهرب منها. أي محاولة لحماية الجناة أو تبرير جرائمهم تكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، التي ساهمت في إيصال السودان إلى الدمار المعاصر. المحاسبة يجب أن تكون شاملة، بلا تمييز أو انتقائية، فكل من تلطخت يده بدماء الأبرياء يجب أن يواجه العدالة، سواء كان منتمياً إلى القوات المسلحة أو أي قوة أخرى او حتي موقعا علي ميثاق التأسيس.

لا مكان للإفلات من العقاب: الميثاق يُطبَّق على الجميع.

يتوجب على قوات الدعم السريع وكافة الفصائل المسلحة إدراك أن الالتزام بالميثاق التأسيسي والدستور الانتقالي ليس أمرًا شكليًا، بل هو التزام قانوني وأخلاقي وشعبي صارم. أعضاء وجماهير الحركة الشعبية وحلفاؤها لن يقبلوا بأي انتهاكات جديدة، ولن يسمحوا بتكرار الماضي. الميثاق ليس مجرد وثيقة، بل ميثاق شرف يجب ترجمته إلى أفعال، ويجب ان نري ذلك علي الأرض والواقع اليومي.

لن يكون هناك تساهل مع أي انتهاك لحقوق الإنسان أو مساس بكرامة السودانيين، سواء أتى من قوات الدعم السريع، القوات المسلحة السودانية، أو أي طرف مسلح آخر. وعليه، فإن أي قوة تخرق بنود الميثاق والدستور يجب أن تتوقع محاسبة فورية، باستخدام كل الوسائل المتاحة، فلا حصانة لأحد، حتى وإن كان حليفًا.

الوثيقة الدستورية المعدلة بواسطة سلطة بورتسودان:
: تكريس الديكتاتورية مقابل الميثاق التاسيسي و الدستور الانتقالي
مايجدر ذكره في هذا السياق، على النقيض من الدستور الانتقالي والميثاق التأسيسي، جاءت الوثيقة الدستورية المعدلة بواسطة سلطة بورتسودان لترسّخ هيمنة القوات المسلحة السودانية على الحياة السياسية، وتمنحها غطاءً قانونيًا للإفلات من العقاب. لم تتضمن الوثيقة أي التزام حقيقي بحماية المدنيين أو محاسبة المجرمين، بل عززت سيطرة المؤسسة العسكرية وأعادت إنتاج الاستبداد والفساد. لهذا، فإن احترام القوانين الدولية وضمان حقوق الإنسان ليس مجرد خيار سياسي، بل التزام جوهري لكل من يسعى إلى بناء سودان جديد، علماني، وديمقراطي، يقوم على سيادة القانون والمساواة.

الالتزام أو المواجهة:
الميثاق التأسيسي والدستور الانتقالي ليسا مجرد وثيقتين، بل التزامان واضحان يفرضان مسؤوليات أخلاقية وقانونية على جميع القوى المسلحة والسياسية في السودان في هذا الوقت. اليوم، تقف القوات المسلحة السودانية، قوات الدعم السريع، وفصائل الكفاح المسلح أمام اختبار تاريخي حقيقي، إما أن تلتزم بالمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، أو تواجه محاسبة صارمة دون هوادة. ومعيار هذا الالتزام لا يُقاس بالتصريحات السياسية أو المناورات التكتيكية، بل بأفعال حقيقية يمكن قياسها على الأرض.

في هذا السياق، يبقى الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال النموذج الأكثر انضباطًا والتزامًا بالقوانين الدولية. التزامه هذا ليس وليد اللحظة، بل هو نهج مؤسسي متأصل في دستور الحركة الشعبية ومنفستو السودان الجديد، حيث يُلزم مقاتليه بالتدريب المكثف على القوانين الدولية، ويحظر تمامًا استهداف المدنيين أو استخدام العقوبات الجماعية، او الإساءة الي الاسري. وفي ظل الالتزامات الجديدة التي حددها الميثاق التأسيسي، فإن أعضاء الحركة الشعبية وجماهيرها لن يتسامحوا مع أي قوة أخرى داخل الميثاق او قوي سودانية لا تلتزم بنفس المعايير الصارمة.

. لن يكون هناك استثناءات أو تساهل مع أي طرف يمارس العنف ضد المدنيين أو يخالف القوانين الدولية
من يخالف التزاماته اليوم، سيجد نفسه غدًا في مواجهة عدالة القانون، الشعب، والتاريخ، وهذا هو الموقف الأخلاقي والتاريخي الصحيح.

 

 

شارك هذا الموضوع :

 

Verified by MonsterInsights