تقدم الجيش يعيد تشكيل المشهد السوداني

تقدم الجيش يعيد تشكيل المشهد السوداني
الإعلانات

متابعات – السلطة نت

تقدم الجيش يعيد تشكيل المشهد السوداني

وجه الحقيقة _ إبراهيم شقلاوي.

مع اقتراب الحرب في السودان من عامها الثاني، تشهد الساحة السياسية والعسكرية تطورات متسارعة، أبرزها التقدم الميداني الذي أحرزه الجيش السوداني في عدة محاور، ولا سيما محور الخرطوم، ما أدى إلى تحولات واضحة في مواقف العديد من الدول والمنظمة الأممية تجاه الأزمة السودانية. فقد باتت العديد من القوى الإقليمية والدولية أكثر ميلاً لدعم الحكومة الشرعية، ورفض أي محاولات لتشكيل كيانات سياسية موازية. في هذا السياق، سنناقش في هذا المقال كيف انعكس زخم الانتصارات العسكرية على خارطة المواقف الدولية، ومدى تأثير ذلك علي ترتيب المشهد و ترسيم مستقبل السودان سياسيًا وأمنيًا.

في ظل هذه التطورات العسكرية الوازنة ، شدد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان، رمطان العمامرة، على ضرورة توحيد الجهود السياسية لتجاوز الأزمة، ناقلاً ترحيب الأمم المتحدة بخارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية لإدارة الفترة الانتقالية ” اخبار الأمم المتحدة”. وأكد العمامرة أن الحل يجب أن يحترم سيادة السودان ووحدة أراضيه، ويستند إلى الإرادة السياسية المشتركة لأطراف النزاع. هذا الموقف يعكس تحولًا مهمًا في الخطاب الدولي، حيث أصبحت العديد من الدول والمنظمات أكثر تقبلًا لدور الحكومة السودانية كفاعل رئيسي في مستقبل البلاد.

يتكامل هذا التوجه الدولي مع مواقف إقليمية واضحة، إذ أكدت المملكة العربية السعودية والكويت وقطر رفضها لأي إجراءات تتم خارج الأطر الشرعية للدولة السودانية، ما يشير إلى دعم عربي واضح لمؤسسات الدولة الوطنية. كما جاء الموقف المصري حاسماً ضد محاولات تشكيل حكومة موازية، حيث أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أن “السلامة الإقليمية للسودان تمثل خطًا أحمر”، مشددًا على أهمية دعم جهود إعادة الإعمار بمشاركة مصرية نشطة.

ما يعكس رؤية القاهرة للأزمة من منظور استراتيجي وأمني واقتصادي. “الشرق الأوسط” كذلك جاء موقف الأمين العام لجامعة الدول العربية متسقا مع ذلك وأيضا موقف الحكومة التركية التي أكدت عبر وزارة خارجيتها عن قلقها إزاء التصعيد المستمر للصراع وتدهور الوضع الإنساني في السودان. وجددت الخارجية في بيان، دعوتها للأطراف لوقف إطلاق النار و الامتناع عن أي خطوات من شأنها الإضرار بوحدة السودان وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله”.

في اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي عُقد في 26 فبراير 2025، أعربت عدة دول، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين، عن قلقها إزاء إعلان “مليشيا الدعم السريع” نيتها تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها، محذرين من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تقسيم السودان بحكم الأمر الواقع. هذا الموقف الدولي الموحد ضد أي كيانات سياسية بديلة يعكس مدى التأثير الذي أحدثته الانتصارات الميدانية للجيش في تغيير الحسابات الدولية.

رغم هذه التحولات الإيجابية في المواقف الدولية، لا تزال هناك تحديات كبرى تواجه السودان. أبرزها التحدي العسكري المتمثل في استمرار المعارك وتأثيرها على استقرار العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، حيث يعتمد الجيش السوداني على التقدم الميداني لاستعادة السيطرة، وقد أحدث في ذلك تقدم ملحوظ رغم رهان المليشيا على تكتيكات حرب المدن.

أيضاً التحدي السياسي: رغم الاعتراف الدولي بخارطة الطريق التي قدمتها الحكومة، فإن بعض القوى المعارضة، مثل تحالف “صمود” الذي لم تتضح معالم كياناته بعد بحسب مريم المهدي ، والذي يرى أن المبعوث الأممي منحاز لطرف دون آخر، ما قد يؤثر على فرص نجاح العملية السياسية أو على الأقل يعرقلها، كذلك موقف الإسلاميين الداعم للجيش السوداني والذي أصبح يمتلك تأثير في الخطاب السياسي يرون أن أي حديث عن عملية سياسية يظل مؤجلا إلى حين اكتمال معركة التحرير والكرامة. مع اتفاقهم الضمني حول الحوار السوداني.

كذلك يبرز التحدي الاقتصادي حيث أن السودان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، مع تدهور العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم، ما يجعل الدعم الدولي لجهود إعادة الإعمار مهما و حاسمًا في تخفيف آثار الحرب واعادة البنية التحتية والخدمات.

في السياق يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى شهدت محاولات لتشكيل حكومات موازية خلال النزاعات المسلحة، مثال ذلك في ليبيا، أدى الانقسام السياسي بين حكومتين متنافستين إلى تعميق الأزمة، حيث عززت القوى الدولية نفوذ الأطراف المختلفة، مما أدى إلى استمرار الصراع لسنوات دون حلول ناجعة. كذلك في اليمن، أدى وجود حكومة موازية تسيطر على مناطق واسعة إلى عرقلة جهود السلام وتعقيد المشهد السياسي، وهو سيناريو يحذر منه المجتمع الدولي في السودان.

استنادًا إلى هذه المعطيات، يبدو أن الموقف الدولي يتجه نحو تعزيز شرعية الحكومة السودانية الحالية، مع تضييق الخناق على المليشيا عبر رفض الاعتراف بأي كيانات سياسية بديلة. هذا التحول قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التوازنات السياسية، حيث تشير التطورات الأخيرة إلى تزايد العزلة الدولية لقوات الدعم السريع مقابل تعزيز شرعية الحكومة.

في ظل هذا المشهد، وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تصعيدًا ميدانيًا مع استمرار المواجهة بين الجيش السوداني والمليشيات وصولا إلى تحرير القصر الجمهوري والخرطوم، يقابله تحرك دبلوماسي مكثف لإغلاق أي منافذ سياسية أمام الكيانات الموازية. لكن يظل التحدي الحقيقي في قدرة السودان على استثمار هذا الدعم الدولي لإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار واستعادة الأمن والسلام بعيدًا عن سيناريوهات التقسيم أو الفوضى المحتملة .

دمتم بخير وعافية.

الأحد 2 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com

 

 

شارك هذا الموضوع :

Verified by MonsterInsights