أي صوت زار بالأمس خيالي

متابعات – السلطة نت
– وجه الحقيقة _ إبراهيم شقلاوي
– أي صوت زار بالأمس خيالي.
رغم الامتداد العريق للحركات النسوية والتنظيمات السياسية والاجتماعية التي انخرطت فيها المرأة السودانية منذ فجر التاريخ السياسي للبلاد، إلا أن التحديات الراهنة تضع علامات استفهام كبيرة حول دورها ومستقبلها في ظل الأوضاع الراهنة. فقد لعبت المرأة السودانية دورًا محوريًا في قيادة التغيير عبر الأجيال، من التعليم والعمل العام إلى المناصب السياسية والتنظيمية، لكنها اليوم تواجه واقعًا قاسيًا يعصف بمكتسباتها التاريخية.
حيث غابت في يوم عيدها عن الذكر من قبل الحكومة والفاعلين السياسين بل حتي من الأحزاب السودانية، هذا يجعلنا نطرح سؤالا جوهريا ماذا تبقّى للمرأة السودانية ؟ بين معاناة الحرب وتهميش الأحزاب السياسية ؟ حيث نحاول في هذا المقال البحث عن إجابة.. أرجو أن نجدها !.
لم تكن مشاركة المرأة السودانية في المجال السياسي والاجتماعي وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى عقود طويلة، حيث برزت شخصيات نسائية رائدة مثل فاطمة أحمد إبراهيم، أول امرأة سودانية تدخل البرلمان عام 1965، وسعاد الفاتح البدوي، الأكاديمية و مستشارة اليونسكو والقيادية في الحركة الإسلامية السودانية ، وفاطمة عبد المحمود، التي أصبحت أول امرأة تترشح لرئاسة الجمهورية. هذه الشخصيات ليست سوى نماذج من سجل طويل من النضال النسوي، يعكس مدى انخراط المرأة في المشهد السياسي والاجتماعي للسودان.
لكن المفارقة تكمن في أن هذه الإنجازات لم تصمد أمام التقلبات السياسية والصراعات التي تعيشها بلادنا التي جعلت من مشاركة النساء مجرد محطات عابرة، تُمنح وفقًا لمتغيرات المرحلة ثم تُنتزع سريعًا بمجرد تغير ميزان القوى. ومع كل تحول سياسي، تتراجع قضايا المرأة إلى الهامش، حتى في اللحظات التي يفترض أن تكون محورية مثل الفترات الانتقالية بعد الثورات أو أثناء المفاوضات السياسية.
منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، تعيش النساء واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث. ووفق تقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 8 ملايين شخص نزحوا بسبب الحرب، 88% منهم نساء وأطفال. الأخطر من ذلك أن النساء أصبحن أهدافًا مباشرة للعنف الممنهج، بما في ذلك الاغتصاب، والزواج القسري، والاختطاف، وسط انهيار كامل لآليات الحماية والمحاسبة.
المؤلم في هذا المشهد أن هذه الجرائم تُرتكب وسط صمت دولي وإقليمي واسع ، وعجز واضح عن فرض آليات صارمة لمساءلة الجناة. وتواجه مليشيا الدعم السريع اتهامات مباشرة بتنفيذ جرائم ممنهجة ضد النساء، مستغلة حالة الانفلات الأمني وغياب الرقابة الدولية الفاعلة. هذا المشهد يعيد إلى الأذهان ما حدث في دارفور خلال العقدين الماضيين، حيث لم يتم محاسبة الجناة بشكل جاد، مما شجع على تكرار ذات الجرائم في الخرطوم والجزيرة ومناطق النزاع الأخرى.
رغم أن الحرب أفرزت واقعًا كارثيًا على المرأة، فإن المسارات التفاوضية التي بدأت في جدة في مايو من العام 2023 برعاية سعودية وأمريكية لم تُعطِ أولوية حقيقية لمعاناتها. ففي فترات الحكم السابقة، كان يُطرح تمثيل المرأة بنسبة 40%، لكنه تقلص الآن إلى 30%، في مؤشر واضح على تراجع الإرادة السياسية لضمان مشاركة نسائية حقيقية. والأسوأ من ذلك، أن بعض الفاعلين السياسيين المناصرين للمليشيا يشككون حتى في حجم الجرائم المرتكبة بحق النساء، مما يرسخ ثقافة الإفلات من العقاب.
هذا الإنكار ليس مجرد تجاهل، بل هو امتداد لنمط سياسي اعتاد تهميش النساء وعدم الاعتراف بقضاياهن كجزء من الأولويات الوطنية. وفي ظل هذه البيئة، فإن محاولات النساء لاستعادة حقوقهن تواجه تحديات سياسية واجتماعية تجعل تحقيق اي تقدم رهين بإرادتهن .
التاريخ يُظهر أن النساء قادرات على إعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي، لكن ذلك يتطلب اعترافًا حقيقيًا بدورهن وإدماجهن الفعلي في مسارات الحلول، بعيدًا عن الخطابات الشكلية. أي مشروع سياسي أو عملية سلام لا تضع قضايا النساء في صميم أولوياتها، لن يحقق سلامًا مستدامًا، بل سيعيد إنتاج التهميش ذاته الذي أوصل السودان إلى أزماته الحالية.
في اليوم العالمي للمرأة الذي وافق الأمس 8 مارس 2025، لم تصدر تصريحات رسمية من المسؤولين السودانيين بشأن أوضاع النساء، ولا من الاحزاب السياسية السودانية، لكن تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية دعت إلى ضرورة الاهتمام العاجل بالآثار الكارثية للحرب على المرأة السودانية. كما شددت واجهات صحفية على أهمية توفير بيئة آمنة للصحفيات، في ظل تصاعد الانتهاكات ضد النساء في المجال الإعلامي.
هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة: أرجو أن تتمكن المرأة السودانية من استعادة موقعها في المشهد الوطني، ليس كضحية، بل كشريك رئيسي في إعادة بناء الدولة. هذه الدعوة مرهونة بمدى قدرة النساء السودانيات على فرض أنفسهن في المشهد السياسي القادم، رغم كل التحديات والعقبات. إلى ذلك الحين ليس لنا إلا أن نجتر الذكريات المؤنسة التي عظم بها الكابلي نساء السودان : أي صوت زار بالأمس خيالي.. طاف بالقلب و غنى للكمال.. وأذاع الطهر في دنيا الجمال.. إنه صوتي أنا، أنا أم اليوم اسباب الهناء , أنا من دنياكم أحلى المني.
دمتم بخير وعافية.
الاحد 9 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com
شارك هذا الموضوع :