برمة ناصر يمنح حزب الأمة قبلة الحياة

الإعلانات
برمة ناصر يمنح حزب الأمة قبلة الحياة
متابعات-السلطة نت
كتب -محمد المختار
أنا أرى أن برمة ناصر لم ينقذ حزب الأمة من الغرق في مياه شواطي بورتسودان الآسنة فحسب، بل منحه قبلة حياة لما بعد الحرب وهو يتأبط موقفاً وطنياً وأخلاقياً شجاعاً في وجه حرب الكرامة الكيزانية الخديوية المزعومة.
صحيح برمة ناصر هو رئيس حزب الأمة لكن هذا الموقف يحسب أيضا لكوادر وقيادات حزب الأمة الصلبة، الذين تجدهم يلتفون حول هذا الحزب العريق كلما كان موقفه ثورياً وقوياً ومتباعداً من عصابة الجبهة الإسلامية بكل تلواناتها وتكتيكاتها وبالطبع استراتيجيتها.
وفي هذا المنعطف التاريخي الحرج من تاريخ بلادنا، كان لابد لحزب الأمة بكل اعتباراته أن يقف الموقف الصحيح في وجه هذه الحرب الفاجرة، سعيا لوقفها باكرا وأذكر جيدا كيف كان حال العم برمة ناصر وكافة قيادات القوى المدنية الرافضة للحرب وهو يتحدث للقنوات الفضائية عقب طلقة المدينة المشؤومة والرجل يكاد يبكي أن تعقلوا.
وعندما سدرت الجماعة الإسلامية في غيها واتضح أن جنرالات الجيش ما هم إلا خواتم في اصابعها لا إرادة حرة ولا شخصية مستقلة بمعزل عن الإخوان وقائد الجيش الحقيقي على كرتي، والذين بدورهم أطلقوا خطابا أكثر فجورا من الحرب ابيد بموجب هذا الخطاب آلاف المدنيين الأبرياء من نساء وأطفال وكبار سن بقصف طيران الجيش، وبقرت به البطون وأكلت به الاحشاء والاكباد، وفرزت به الوجوه، ومنعت بموجبة كافة الحقوق.
لكل ذلك وأكثر كان لابد لحزب الأمة أن يسعى للجم هذا الفجور الاسلاموي المتفاقم قولا مقرونا بالفعل، وهو يرى كل محاولات إيقاف الحرب بالتفاوض يجهضها قائد الجيش الحقيقي علي كرتي وخلفه الخديوي الخسيس من جهود الشقيقة السعودية في جدة وحتى جنيف التي صدرت فيها الأوامر بالغياب وكما كنت.
وهو يرى كذلك أن اليد الممدودة بالسلام من جده وحتى جنيف تقابلها يد تسعى للتسليح وزيادة ترسانتها الحربية والحشد للحرب، وصناعة المليشيات وامراء الحرب، فكان للأبد أن يقابل كل ذلك بفعل سياسي وفق المتغيرات التي حدثت، وممارسة السياسة نفسها تقوم على متغيرات، وبالتالي يكون الفعل السياسي وفق المستجدات.
لقد كانت المعادلة مختلة سياسيا منذ أن فلت عقال الحرب من حرب سريعة خاطفة تعود بموجبها عصابة الجبهة الإسلامية للسلطة وتصفية الثورة وما يمت لها من صلة، وحولها علي كرتي وجماعته لحرب مصيرية لا تقبل القسمة على إثنين، باعتبار الحرب آخر “كرت” للحركة الإسلامية، أي أن المشهد يتطلب موقف وفعل سياسي يتسقان مع هذه المتغيرات بما يقطع الطريق أمام أجندة الحرب الحقيقية.
لذلك أقول أنه لو لم يعطي برمة ناصر ومن حوله الكوادر القوية قبلة الحياة لحزب الأمة في هذا الوقت المصيري، لسلمه الفريق صديق وعبد الرحمن الصادق وغيرهم صرة في خيط لجماعة على كرتي، ولغرق للأبد في شواطئ بورتسودان مقطورا خلف اصحاب حرب الكرامة الكيزانية المزعومة، وهو يودع قاعدته الكبيرة والممتدة وكوادره للأبد ملوحا ب “بل بس”.
من ناحية أخرى لقد فك برمة ناصر ومن حوله أصحاب المواقف القوية من الكوادر الصلبة، حزب الأمة من شرك الابتزاز بالدين الذي نصبته الجبهة الإسلامية منذ عقود طويلة، ومنذ أن ظهر للوجود ما يسمى بالدستور الإسلامي في ستينيات القرن الماضي، وهو السم الذي حقنت به جماعة الإخوان المسلمين شرايين الممارسة السياسية، ولا يخفى على أحد تأثير ذلك على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وادى في نهاية الأمر لانفصال جنوب السودان واستقلاله.
كنت دائما ما أقول وفق تحليلات وقراءات ومعلومات أن الحركة الإسلامية لم يتبق لها غير القوة الصلبة وجناحها العسكري لتذهب إلى مزبلة التاريخ، كمشروع سياسي ايديلوجي متجاوز للحدود تأذى منه السودانيون وكل دول الجوار بلا استثناء، بل حول السودان لبؤرة تصدر الإرهاب اقليميا ودوليا، ولابد من كسر هذه القوة الصلبة بعد أن اختار علي كرتي ومن خلفه الخديوي الحرب رفضا للعملية السياسية السلمية والاتفاق الإطاري الذي كان يقوم بذلك بطريقة آمنة تجنب الشعب السوداني مأساته الحالية والسيناريوهات المرعبة والافق المسدود.
واتذكر كأنه حدث بالأمس عندما استفردت بالعم برمة ناصر في منزل السفير البريطاني في إفطار رمضاني قبل الحرب بأيام، وسألته وكلي شفقة على وضع البلد المحتقن وتهديدات واستعدات الجماعة للحرب عن آخر نقطة خلاف متعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري عطلتها الحركة الإسلامية بعدة طرق وعبر كباشي خصوصا، وقال لي “قربت ما فضل شي شغاليين نلين في الموقف وفي استجابة”، لكن سبقت طلقة المدينة الرياضية فصل وقول كل حكيم.
لذلك أستطيع أن أقول لقد شيع حسم مسألة طبيعة الدولة مشروع الإخوان المسلمين في السودان إلى الأبد، ووضع حد لمغامرة حسن عبد الله الترابي المؤلمة التي لم يتسور فيها السلطة والدولة بليل في 30 يونيو 89, فحسب، بل تسور فيها الاحزاب السياسية من يسارها ليمينها، وتسور المجتمع، وتسور الفضاء العام، وتسور عقول الكثيرين وأحدث خرابا سياسيا واجتماعيا وثقافيا عظيما. وبذلك وضع المسمار الأخير في نعش هذا المشروع المستجلب، فليأخذه من يحاربونه ويرفضونه في بلد المنشأ ويدعمونه في بلدنا.
والأهم من ذلك أستطيع القول أن قبلة الحياة التي منحها رئيس حزب الامة وكوادره لهذا الحزب العريق، قطعت الطريق أمام دعاة تقسيم أوصال السودان، من جماعة على كرتي العنصرية التي شرعت بالفعل في ذلك، وهي الجماعة ذاتها والعقلية ذاتها التي قسمت السودان من قبل وفرطت في أراضيه بسبب مقامرتهم الارهابية، مدفوعة بالمصالح والأوهام المغطاة بالأيديلوجيا التي استنفدت اغراضها.
وبذلك فإن قبلة الحياة التي منحها كوادر حزب الأمة وبرمة ناصر لم تكن لحزب الأمة فحسب في حقيقتها، وانما لإنقاذ السودان من براثن الإنقاذ في نسختها الأكثر وحشية وتطرفا، وحفظ وحدته وارادته وحفظ حياة شعبه وهلاكه، وأن يكون السودان للسودانيين، لا ليعيد التاريخ نفسه فذلك غير ممكن، بل ليسير في صيرورته والمعركة ذاتها، ولكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
شارك هذا الموضوع :