السودان- الوصول الإنساني والنزاع المسلح… فهم أساسيات العمل الإنساني

السودان- الوصول الإنساني والنزاع المسلح… فهم أساسيات العمل الإنساني
الإعلانات

السودان: الوصول الإنساني والنزاع المسلح… فهم أساسيات العمل الإنساني

متابعات- السلطة نت

إدريس عبدالله

إن العمل في بيئة تعج بالصراعات بأنواعها كافة – السياسية والاجتماعية والعسكرية – يضع العاملين في مجال المساعدة الإنسانية في موقف دقيق وحساس، أشبه بالسير على الصراط المستقيم الذي وُصف في القرآن الكريم بأنه سبيل مؤدٍ إلى الجنة جزاءً للأعمال الصالحة، حيث لا يكون ثمة حاجة إلى معرفة أو خبرة أو إدراك للأوضاع.

 

ولكنني أعتقد أن الطريق في السودان أشد وعورة، إذ قد يفضي عمل الخير والعمل الإنساني بصاحبه إلى الهلاك والموت. لقد شهدنا خلال الفترة الماضية عمليات تصفية عديدة طالت شبابًا سودانيين كانوا يعملون في “التكايا” – وهي أماكن مخصصة لتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين والنازحين – حيث أُعدموا في الشوارع على يد كتائب البراء بن مالك أو قُتلوا على يد قوات الدعم السريع بالرصاص وأنواع أخرى من القتل والاعتقال. ويذكر أحد العاملين في غرف الطوارئ أن عدد المتطوعين الذين قُتلوا في غرف الطوارئ يزيد عن عشرين شخصًا معروفين لديهم على الأقل.

 

في بعض الأحيان، يُقتل المرء بذريعة التعاون مع أحد أطراف الحرب، ويحدث ذلك عند سيطرة طرف على منطقة ما، وعند انسحابه وسيطرة الطرف الآخر، يُتهم بأنه كان متعاونًا مع الطرف السابق. لا يمكن إثبات هذه الفرضية، لأن معظم العاملين، إن لم يكن جميعهم، هم من أبناء ثورة ديسمبر المجيدة، ورأيهم في العمل المسلح واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وقد شهد العالم بسلمية تلك الثورة. فمن يؤمن بالسلمية والمدنية لا يمكن أن يقع في أتون الصراع المسلح ودعمه. لذلك، يعبر الكثير من أبناء تلك الثورة عن اعتقادهم بأن الحرب قامت للقضاء عليهم أكثر من المتحاربين أنفسهم.

 

ولكن ما دفعني إلى الكتابة حول هذا الموضوع هو كتيب بعنوان “الوصول الإنساني في حالات النزاع المسلح”، باعتباره دليلًا للعاملين في المجال الإنساني صادرًا عن منظمة كونفليكت دايناميك إنترناشونال (CDI) الأمريكية.

 

بإيجاز، يعرفنا الكتيب بمفهوم الوصول الإنساني، ويمكن تلخيصه في وصول الجهات الإنسانية الفاعلة إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة وحماية، ووصول المحتاجين إلى السلع والخدمات الضرورية للصحة ولبقائهم على قيد الحياة بطريقة تتفق مع المبادئ الإنسانية الأساسية.

 

وقد أشار الكتيب بوضوح إلى الصعوبات التي تواجه العاملين في هذا المجال في عالمنا المعاصر، لا سيما من قبل الميليشيات. وقد استوقفني ذلك كثيرًا متسائلًا عن حالة وطننا السودان في ظل وجود كل تلك الميليشيات، حيث إن الميليشيات في دارفور، أحد أقاليم السودان، تضم أكثر من عشر حركات مسلحة. أما ولاية سنار، تلك الولاية التي عُرفت بتسامح أهلها، فقد ساقني الحنين إليها وتساءلت بأسى كيف غزاها الفكر الإسلاموي المتشدد، مما أدى إلى سيطرة خلايا الحركة الإسلامية على المشهد والسلطة؟ وكيف أصبح السلاح تعبيرًا أساسيًا لحل الخلافات بين المدنيين الذين يصفون أنفسهم بالإسناد في حرب الكرامة المدعى بها، وكتائب البراء بن مالك والمقاومة الشعبية، حيث يقوم كل طرف في هذه الظروف بنهب المواطنين بطرق مختلفة، ويعبرون كذلك عن فرحهم بحمل السلاح في الأعراس في لحظات النشوة والسكر.

 

وتذكرت أيضًا شرق السودان، الذي أصبح بين عشية وضحاها يضم أكثر من عشر حركات مسلحة تم تدريبها في إريتريا، بالإضافة إلى مجموعات من حركات دارفور تحت مسمى القوات المشتركة الداعمة للجيش. وفي المقابل، هناك ما يُعرف بأهل الفزع الذين عُرفوا بأشكال مختلفة لدعمهم قوات الدعم السريع من أم بقاء وغيرها. ويجب الإشارة، بناءً على متابعتي، إلى أن جميع الأطراف تعاني قواتها من عدم الانضباط ولا تخضع لقيادة موحدة.

 

كل ذلك يحدث بينما لا يزال الشباب السوداني يقف في الصفوف الأمامية لتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين.

 

أعتقد أن دليل منظمة (CDI) وضع أسسًا ومبادئ واضحة يجب أن يلتزم بها العاملون في المجال الإنساني وفقًا للإطار القانوني الدولي، ويتضمن طرقًا لتحليل الصراع مما يسهل على العاملين إدراك الواقع الراهن.

 

ويوضح الدليل أيضًا بصورة جلية كيفية التعامل مع الجهات الفاعلة المختلفة من مسؤولين حكوميين وجماعات مسلحة وجهات مانحة ومنظمات مجتمع مدني وأهالي.

 

أعتقد أن تجربة السودان في خضم الصراع المسلح ليست جديدة، ولكن هذا لا ينطبق على جميع أنحاء السودان. ويؤكد حديث أي متابع كيف أن المناطق التي شهدت صراعات مسلحة قبل حرب الخامس عشر من أبريل هي أكثر تنظيمًا واستجابة مقارنة بالمناطق التي طالتها الحرب مؤخرًا. وهذا يستدعي ضرورة تدريب وتأهيل الشباب السوداني الذين اختاروا البقاء في مناطق النزاع لمساعدة أهالي المنطقة، وأرى أن صعوبة هذا التدريب تجعل هذا الدليل مدخلًا قيمًا للتعامل وفقًا للإطار المعياري الدولي.

 

لقد لخص الكتيب المبادئ الإنسانية في أربع نقاط أساسية يجب الالتزام بها وهي: الإنسانية، والحياد (بمعنى عدم الانحياز لأي طرف من الأطراف)، والنزاهة، والاستقلال عن الأهداف السياسية.

 

إن العمل الإنساني يتطلب الالتزام بهذه المبادئ، بالإضافة إلى الإطار المعياري الدولي الذي يمكن تلخيصه في تحديد واجبات والتزامات الأطراف في النزاع المسلح وتحديد الشروط التي بموجبها تتمكن الجهات الإنسانية الفاعلة من الوصول إلى أولئك الذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية أو لم يشاركوا فيها أصلًا أو الذين قد يكونون في حاجة إلى المساعدة والحماية.

 

وكذلك يتطلب صياغة وإجراء المفاوضات من أجل تحقيق الوصول الإنساني مع أطراف النزاع المسلح أو غيرها من الجهات الفاعلة.

 

وأعتقد أن النقطة الأخيرة يجب أن تستوعبها القوات المتصارعة أكثر من العاملين في المجال الإنساني، فمن خلال متابعتي لبعض حوادث القتل في السودان التي طالت أشخاصًا بتهمة التعاون، يتضح أن هذه النقطة محورية. حيث يكون الشخص يعمل في مجال المساعدات الإنسانية ويتعامل مع القوة المسيطرة في الحدود التي تضمن إيصال المساعدات للمتضررين والنازحين، ولكن في حالة استعادة الجيش سيطرته على المناطق، يتم إعدامه في ميادين تلك المناطق بحجة التعاون، وما حدث في الخرطوم خير مثال على ذلك.

 

ويشير الكتيب أيضًا بوضوح إلى القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني، مؤكدًا على أن الطرف الرئيسي في الصراع الذي يعتقد أنه يمثل الدولة يجب أن يلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وهذا ما فشل الجيش ومن معه في القيام به في وضع الخرطوم وغيرها من الولايات التي استعاد سيطرته عليها خلال فترة انتشار قوات الدعم السريع فيها، وقد قام الشباب بذلك بدلًا عنهم ويُجازون بالموت.

 

ويشير الكتيب إلى منهجية ممتازة يراها العاملون في مجال المساعدات الإنسانية ويمكن الاستفادة منها للعمل على أساسها، مما يجعل عمل الجميع متوافقًا مع القانون الدولي. وما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع ليس إلا الإيمان بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات في السودان، وأعتقد أن هذا الدليل يمكن أن يسد بعض الثغرات التي قد يستغلها المجرمون من أطراف الصراع لتبرير القتل خارج نطاق القانون الدولي والإنساني بحجج باطلة، ويجدون ضالتهم عند المدافعين المأجورين.

 

لذلك، يمكن أن يكون هذا المقال دعوة لكل شباب وشابات السودان، وخاصة العاملين في المجال الإنساني داخل السودان، للمعرفة الجيدة بمحتويات الكتيب وكل ما يساعدهم على عدم الخروج عن الصراط المستقيم أي الحياد، حتى يفوتوا فرصة الموت المبرر لهؤلاء الذئاب المتعطشة للقتل وسفك الدماء بالباطل والذين لا يخشون الله في شيء.

 

 

شارك هذا الموضوع :

Verified by MonsterInsights