الخدمة المدنية السودانية بين العجزة والمستقبل الذكي

الخدمة المدنية السودانية بين العجزة والمستقبل الذكي
الإعلانات

الخدمة المدنية السودانية بين العجزة والمستقبل الذكي

متابعات – السلطة نت

بينما تمضي دول العالم بخطى متسارعة نحو المستقبل، مستثمرةً في عقول شبابها ومواكبةً للثورة التكنولوجية الكبرى، لا يزال واقع الخدمة المدنية في بلادنا يحبو في مسارات تقليدية متآكلة.

 

وفي لحظة فارقة، أطل رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال مؤتمر الخدمة المدنية بمدينة بورتسودان، ليطرح قضية إصلاح القوانين ومواكبة العاملين للتقنيات الحديثة.

لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه بقوة: كيف نحدث هذا التغيير الجذري بينما أدواتنا لا تزال عالقة في الماضي، وعقول بعض كوادرنا الإدارية لا تستطيع حتى التعامل مع أبسط أدوات التكنولوجيا؟

إن معركة بناء الدولة الحديثة لا تُخاض بالخطابات وحدها، بل تستلزم استدعاء جيل جديد، جيل يحمل الحلم والمعرفة، ويملك أدوات العصر، لصناعة غدٍ أكثر إشراقًا لهذا الوطن.

 

ولا شك أن هذا الحديث يمثل خطوة مهمة وضرورية في سبيل تطوير مؤسسات الدولة، إلا أن الأدوات المتاحة لتحقيق هذه الرؤية تبدو غير صالحة بالشكل المطلوب.

 

إن التخطيط لمستقبل مشرق يبدأ بالاعتماد على الشباب المؤهلين، القادرين على التعامل مع معطيات العصر الحديث، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية. أما الاعتماد على كوادر تجاوزها الزمن، وبعضهم – مع كامل الاحترام – لا يجيد حتى التعامل مع الهواتف الذكية، فلن يقود إلا إلى مزيد من التخلف الإداري والجمود المؤسسي.

ولا نقصد هنا الإساءة أو التقليل من أحد، ولكنها الحقيقة التي يجب مواجهتها بشجاعة: لا يمكن بناء دولة حديثة وعصرية بعقول تنام أثناء الاستماع إلى حديث مهم عن التطوير والإصلاح!

 

رسالتنا إلى رئيس مجلس السيادة

إن الخدمة المدنية تحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى ضخ دماء جديدة، وطاقات شبابية متقدة بالأمل والطموح. نحتاج إلى شباب يحملون الأفكار الخلاقة، والقدرة على الإبداع، والرغبة الصادقة في بناء وطن يليق بأحلامنا وتطلعاتنا.

إن الاستثمار الحقيقي ليس في الحجر والمباني، بل في الإنسان، وفي العقل الذي يصنع المستقبل.

 

إن العالم من حولنا يتحرك بخطى متسارعة نحو الرقمنة والتحول الذكي، ولم يعد مقبولًا أن تبقى الخدمة المدنية أسيرة للعقلية التقليدية التي تعتمد على الروتين .

مستقبل الدول اليوم يُرسم عبر مراكز الابتكار، وحاضنات التكنولوجيا، وبرامج ريادة الأعمال، وليس عبر مكاتب غارقة في الورق المهترئ والإجراءات المعقدة التي تقتل الطموح قبل أن يولد.

 

التغيير الحقيقي يبدأ من داخل المؤسسات، بتشجيع الإبداع، ومنح الفرص الحقيقية للكفاءات الشابة دون اعتبارات المحسوبية والولاءات الضيقة.

إن ضخ الطاقات الشابة في الخدمة المدنية لا يعني فقط إحلال جيل جديد محل القديم، بل يعني إحداث نقلة نوعية في الأداء الحكومي، وتحقيق التفاعل الإيجابي مع قضايا المجتمع، ومواكبة التحولات العالمية في إدارة شؤون الدولة.

 

إن الطريق إلى خدمة مدنية حديثة يمر عبر إعادة صياغة معايير الاختيار والتعيين والترقي، بحيث تقوم على الكفاءة والجدارة لا على الأقدمية وحدها.

كما يتطلب الأمر تغيير الثقافة الإدارية نفسها، والانتقال من مفهوم الموظف التقليدي إلى الموظف القائد، القادر على اتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية، والعمل بروح الفريق.

 

ختامًا، نقولها بكل وضوح: لا نهضة دون شباب، ولا مستقبل بدون احتضان الكفاءات. وإذا أردنا خدمة مدنية تليق بتطلعات شعبنا، فعلينا أن نضع الشباب في قلب مشروع الإصلاح، فهم الفرصة الأكبر والأمل المتجدد لوطن يستحق أن يكون في مقدمة الركب العالمي.

كتبه : مجاهد محمد 29 أبريل 2025م

 

 

شارك هذا الموضوع :

Verified by MonsterInsights