مهلاً الإعيسر.. لا بد من دفقة رصانة، وهدوء

مهلاً الأعيسر.. لا بد من دفقة رصانة، وهدوء
متابعة- السلطة نت
-كتب صلاح شعيب
في غمرة غضبه العارم قرر وزير الثقافة والإعلام خالد الأعيسر بأن كل عمل المراسلين الأجانب ينبغي أن يتم من خلال الرقابة القبلية لمكتبه.
هذا يعني أن مراسلي الفضائيات ليس من حقهم الوقوف خلف أماكن الأحداث لينتجوا تقارير حية أو مسجلة ما لم يعلموا الوزارة بالمحتوى للموافقة عليها.
وهذا بطلان إعلامي لا يدانيه آخر في كل مناطق الأحداث في العالم. وبهذا المستوى يعيد الأعيسر للأذهان تجربة الرقابة الأمنية المسبقة على الصحف حين كان ضابط الأمن يقوم بمقام رئيس التحرير لينشر هذا، ويرفض ذاك، ويتحفظ أحياناً.
إن العرف الدولي الذي جرى في المجال هو أن مراسلي الصحف، والإذاعات، والفضائيات، سيظلون محل ثقة ما دامت الحكومات المعنية وافقت على القيام بأدوارهم في تغطية الأحداث، والحروب، وإجراء الحوارات مع المسؤولين.
ومن حق هذه السلطات سحب تراخيص الموافقة على مهمة المراسل إذا رأت أنه بحق – أو غير حق – غير مرغوب فيه كما هو حال تعاملها مع الدبلوماسي. إن شاءت أبعدته خلال أربعة وعشرين ساعة أو أسبوع، أو شهر، وهذا نادر.
اعتقد أن الأفضل للوزير الهمام أن يمارس سلطته هذه بدلاً عن اختراع ما لم يأت به أوائل وزراء الثقافة والإعلام. أما وإن كان أراد بتصريحه هذا أن يمارس ضربة استباقية حتى ينقل مراسلو الحدث والعربية مثلاً ما يروق له من أحداث فإنه يكون قد خان شرف المهنة التي مارسها أثناء فترة عمله في إحدى القنوات التلفزيونية.
بل يصبح من حقنا التشكيك في أصالة دوره كإعلامي حينما كان ينادي معنا بإسقاط نظام الحركة الإسلامية لتحقيق شعار حرية، سلام، وعدالة.
على أن وقوف الأعيسر الآن ذاته مع حكومة بورتسودان التي انقلبت على إجراءات الانتقال الديمقراطي لثورة ديمسبر لهو أكبر دليل على أن السيد الوزير فضل التزوير على التنوير.
فغالب ما يفعله وزراء الحكومات الانقلابية هو أنهم ينفذون السياسة الإعلامية التي يضطلع بها شموليون في سدة السلطة ليقع العبء الأكبر على الوزير ليكون الحرس الصنفور في بوابة الأجهزة الإعلامية.
له عيون مؤتمنة تراقب المقال الناقد لتحجبه، ويراجع التقرير الإذاعي ليضبطه خادماً للوضع، ويجس الخبر الصحفي حتى يجده متشحماً بدعم السلطة، ويتابع البرامج الحوارية قبل بثها ليتيقن أن كل ما يقال يتطرق لمصلحة الدكتاتور قبل المواطن.
نحن نفهم أن مسؤولي حكومة بورتسودان التي سطت على مكتسبات ثورة ديسمبر التي شارك فيها الأعيسر نفسه بفاعلية واقعون تحت ضغط الأحداث الأخيرة، والتي رافقتها قرارات غضب مثل قطع العلاقة مع الإمارات التي قدمت للسودان دعماً سخيا لأكثر من نصف قرن.
ذلك بخلاف أنها آوت ملايين الخبرات السودانية الذين ساهموا في تعميق أواصر الشعبين. وكان الأحرى بالوزير، وحكومته، فتح قنوات التعامل الدبلوماسي المعروفة مع سلطات الإمارات، ولومها على دعم الدعم السريع وفقاً للحيثيات التي يمتلكونها، وذلك بأمل التوصل لحلول ودية حتى لا يصيب الضرر العلاقة، ومصالح مواطنينا في الإمارات.
ولكن أن يصعد وزير إعلام حكومة بورتسودان هجومه على الدولة بلا نهج دبلوماسي، ويرفق ذلك بتهديد المراسلين الأجانب فإن هذا لا يسهم في غذ السير نحو سياسة رشيدة للتعامل مع مجريات الأحداث في بلادنا.
لم تكن هذه المرة الأولى لرغبة حكومة بورتسودان في تحجيم عمل مراسلي الفضائيات بعد مثول الانقلاب في 21 اكتوبر 2021. فقد تعرض مراسلوا القنوات الفضائية للتضييقات، وكانت آخرها ما عانته زميلتنا مها التلب من اعتقال، وتهديد حياتها.
إن اعتماد الغضب، ورفع نبرة الصوت التي ينتهجها الأعيسر في حديثه، ومعالجته الغاضبة لأزمة حكومته، يضر بالبلاد أكثر مما ينفع. ولعله بحاجة إلى أصدقائه المقربين لينصحوه بتبني اللغة الهادئة، وألا يعتمد على طريقته الغاضبة دوماً، والتي دشنها للرأي العام بتقديم استقالته الثائرة عبر الهواء مباشرة. فوزير الثقافة والإعلام بمثابة قلب الدفاع للدبلوماسيين، باقتصاد لغته، ورصانتها، وهدوئها أيضاً.
شارك هذا الموضوع :