قطاع الطيران المدني يشهد أخطر الأزمات في تاريخه

قطاع الطيران المدني يشهد أخطر الأزمات في تاريخه
الإعلانات

يشهد قطاع الطيران المدني السوداني اليوم واحدة من أخطر الأزمات في تاريخه

متابعات – السلطة نت

كتب سامي الأمين

يشهد قطاع الطيران المدني السوداني اليوم واحدة من أخطر الأزمات في تاريخه، أزمة عمّق جراحها النزاع المسلح الذي اندلع بفعل  الدعم السريع، المدعومة إقليميًا ودوليًا، فأصاب شريان النقل الجوي الوطني في مقتل.

 

فقد تكبدت شركات الطيران السودانية خسائر فادحة، تجاوزت العشرين طائرة من أساطيلها العاملة، فيما طال التدمير مراكز الصيانة الحيوية، كما تعرضت طائرات أخرى للاصابة بالشظايا في مطار بورتسودان جرّاء الاعتداءات الأخيرة.

 

هذه الضربة القاصمة أوقفت عجلة التشغيل في معظم شركاتنا، وأفقدتها قدرتها على المنافسة، مما انعكس سلبًا على سوق النقل الجوي الوطني، وأضعف حضور السودان في الأجواء الإقليمية والدولية.

وفي ظل هذا الواقع الاستثنائي، يطرح العقلاء سؤالًا استراتيجيًا: هل من الحكمة أن نُبقي على القيد الزمني الصارم الذي يشترط أن لا يتجاوز عمر الطائرة عشرين عامًا عند تسجيلها في السجل السوداني؟ وكيف لشركاتنا الوطنية، التي أثخنتها الحرب، أن تعيد بناء أساطيلها بأقل كلفة ممكنة، دون المساس بثوابت السلامة وأعلى معايير التشغيل؟

التجربة الدولية المعاصرة تمنحنا دروسًا بالغة القيمة. فالولايات المتحدة الأمريكية، ومعها دول الاتحاد الأوروبي، لم تعتمد حدًا زمنيًا قاطعًا لعمر الطائرة كشرط لاستمرارها في الخدمة أو تسجيلها.

 

بل انتهجت فلسفة متقدمة، تجعل من الحالة الفنية للطائرة وفحوصاتها الدورية ومتانة برامج صيانتها الضمانة الحقيقية لاستمرارية صلاحيتها.

 

والمنظمة الدولية للطيران المدني (الإيكاو)، المرجعية العليا للسلامة الجوية، لا تضع حدًا أقصى للعمر، بل تشترط إخضاع الطائرات للصيانة الدورية والفحص الفني، لتظل آمنة وقادرة على الخدمة طوال مراحل عمرها التشغيلي.

 

أما الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA)، فقد سمحت للطائرات التي تجاوزت عقدين من الزمن بالاستمرار في الأجواء، شريطة تحديث منظوماتها الفنية، واجتيازها الفحوصات الدقيقة التي تكفل السلامة المطلقة.

وتعزز الإحصاءات المستندة إلى تقارير الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) هذا النهج، إذ أثبتت أن معدلات الحوادث لا ترتبط مباشرة بعمر الطائرة، بقدر ما ترتبط بجودة الصيانة، ومهنية التشغيل، ودقة إجراءات الفحص والتقييم الفني. فسلامة الطيران ترتكز على منظومة متكاملة من الصيانة والتفتيش الفني الشامل، الذي يغطي الهيكل والمكونات الأساسية، وليس على معيار العمر الزمني وحده.

إن السودان، وقد عصفت به الحرب، أحوج ما يكون اليوم إلى مراجعة جريئة للنشرات الصادرة، وفي مقدمتها النشرة المنظمة لعمر تسجيل الطائرات.

 

لقد بات واضحًا أن الإبقاء على شرط العشرين عامًا يعمّق جراح شركاتنا الوطنية، ويحول دون استعادتها لدورها الريادي، خاصة أن الدافع الرئيس لاعتماد هذا الشرط كان في حينه محصورًا في الحد من تشغيل طائرات روسية سجلت معدلات حوادث مرتفعة، وهو سياق تغير كليًا الآن.

ومن هذا المنطلق، تبرز الحاجة إلى تشكيل لجنة وطنية رفيعة المستوى، تضم قامات سودانية مشهود لها بالكفاءة في مجالات صلاحية الطائرات وسلامة النقل الجوي، تتولى دراسة أثر هذه النشرة على تنافسية شركاتنا ووضع الشركات التي صرفت مبالغ ضخمة للاستثمار في شراء وايجار طائرات من الجيل الجديد ، وتقديم رؤية متكاملة تنطلق من الواقع السوداني، وتستوعب متطلبات السلامة كما أقرتها المنظمات الدولية .

 

ولابد أن يُواكب هذا التوجه مراجعة شاملة لمنظومة القوانين واللوائح، وتطوير برامج التفتيش والتدقيق الفني، مع إعادة صياغة معايير تسجيل الطائرات بما يفتح الباب أمام شركاتنا لاستعادة أساطيلها، مستندة إلى برامج فحص وتقييم متقدمة، تضمن سلامة الطائرات وجدارتها التشغيلية.

 

وفي هذا السياق، ينبغي أن تطور سلطة الطيران المدني برامج تفتيش مبتكرة، تعزز من قدرة المفتشين على رصد الحالة الفنية للطائرات بدقة، وتضمن التقييم المستمر لكل طائرة في الخدمة. كما يُنتظر منها أن تقدم تسهيلات واسعة النطاق، لتشجيع الاستثمار في مراكز الصيانة المتطورة داخل السودان، وتدعيم شراكاتها مع مراكز الصيانة الإقليمية والدولية، بما يوفر لشركاتنا الوطنية مظلة فنية صلبة.

 

ولابد أن تشمل هذه التسهيلات إعفاءات جمركية، وتيسير الحصول على الأراضي اللازمة بأسعار رمزية، لتوفير بيئة حاضنة لاستعادة عافية القطاع .

 

ولا جدال أن السودان يزخر بخبراء مميزين في مجالات الطيران، قادرين على حمل هذا المشروع الوطني، والانطلاق به نحو آفاق جديدة، وعلي رأسهم المهندس محمد الحسن المجمر، الذي نأمل أن يقود هذه المبادرة، بالتعاون مع سلطة الطيران المدني، وبدعم من وزارتي الدفاع والنقل، لتكون هذه الخطوة نواة لتطور قطاع الطيران السوداني في مرحلة إعادة الإعمار.

 

إن تمكين شركاتنا من استعادة وتحديث أساطيلها بكلفة معقولة، لا يمثل مجرد ضرورة تشغيلية، بل يعد خيارًا استراتيجيًا لإحياء الاقتصاد الوطني، وتنشيط حركة النقل الجوي في السودان، الذي يستعد الآن لطي صفحة الحرب، وبناء مستقبل جديد يليق بمكانته وتاريخه في الطيران المدني الاقليمي .

 

 

شارك هذا الموضوع :

Verified by MonsterInsights