قطوعات الكُهرباء تشل حياة الناس في السودان

قطوعات الكُهرباء تشل حياة الناس في السودان
السلطة نت – وكالات
يعيش المواطنون السودانيون في القرى والمدن المختلفة أزمة إنسانية خانقة، باتت تؤرق حياتهم بسبب برمجة قطوع قاسية في الكهرباء تمتد (20) ساعة يومياً، وبخاصة داخل المناطق التي تخضع لسيطرة الجيش بما فيها العاصمة الخرطوم، فيما تنعدم تماماً في ولايات القضارف وكسلا والنيل الأبيض وسنار وبورتسودان، العاصمة الإدارية التي جرى نقل الخدمات الأساس إليها منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في الـ15 من أبريل 2023.
وفي ظل هذا الوضع تفاقمت معاناة ومشكلات المواطنين بسبب فقدهم سبل كسب لقمة العيش بتوقف أعمالهم، جراء استهداف محطات توليد الكهرباء بالمسيرات الانتحارية من قبل “الدعم السريع”.
وكانت شركة الكهرباء في السودان أكدت أن الاستهداف المتكرر للمحطات التحويلية ينعكس سلباً على خدمات المواطنين ومعايشهم، وأوضحت أن الولاية الشمالية والخرطوم الأكثر تضرراً، إلى جانب ولايات الشرق التي تعاني قطوعاً تستمر ساعات طويلة.
وأرجعت الشركة أسباب القطوع إلى نقص منسوب سدَّي عطبرة والستيت الناتج من انخفاض وارد المياه واستهلاك المخزون، علاوة على تعذر ربط الشبكة في الشرق بالشبكة القومية نتيجة انهيار الأبراج الناجم من اعتداءات “الدعم السريع” عبر مسيراته الانتحارية، إضافة إلى ارتفاع الأحمال بسبب درجات الحرارة وزيادة الاستهلاك، لا سيما أن العمل يجرى حالياً في أعمال الصيانة والتأهيل ومن ثم استقرار الإمداد الكهربائي للمواطنين وممارسة أنشطتهم بصورة طبيعية.
أزمة معقدة
تقول ربة المنزل علوية عبدالرحمن التي تسكن مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل إن “مواطني المدينة يعيشون أزمة معقدة بسبب إنعدام الكهرباء، إذ باتت تؤرق حياتهم وتسهم في إفراز مشكلات أسرية نتيجة توقف مصادر تدبير لقمة العيش، حتى الأعمال البسيطة التي تدر رزقهم يوماً بيوم”.
وأضافت عبدالرحمن “منذ أن تُوفي زوجي وأصبحت العائل الوحيد لأفراد أسرتي، عزمت الاعتماد على نفسي ومواجهة عقبات الحياة، إذ ذهبت إلى أحد البنوك التي تمول الأسر وتدعم المشاريع الصغيرة، وعقب انتهاء الإجراءات اللازمة تسلمت مبلغاً من المال وقمت بشراء ثلاجة وبدأت أصنع الآيس كريم الذي يفضله عامة المواطنين، وبخاصة خلال فصل الصيف، وأصبح لي زبائن كثر، بالتالي وفر لي هذا المشروع الاستقرار الأسري إلى حد كبير”.
وتابعت عبدالرحمن “أمضيت أعواماً في هذه المهنة، لكنها بدأت في التراجع وربما التوقف تماماً بسبب قطوع الكهرباء التي فرضت واقعاً قاسياً على الأسر، لا سيما أن معظم النساء الأرامل اللاتي يتحملن مسؤولية الأبناء ويعانين هشاشة اقتصادية يعملن في أعمال بسيطة من داخل منازلهن، تعتمد على الكهرباء بدرجة كبيرة تتمثل غالبيتها في مجال الأغذية والمشروبات ويقمن ببيعها داخل الأسواق والمدارس”.
وواصلت ربة المنزل “لقد توقف مصدر رزقي بسبب استهداف محطات الكهرباء في مدينة عطبرة، ولم يكن لي خيار غير طرق باب أقربائي المغتربين وبالفعل ساعدني عدد منهم، لكن المشكلة أصبحنا نعيش في ظلام دامس يعرض حياتنا للأخطار كون المدينة تنتشر فيها العقارب خلال الصيف نسبة لطبيعتها الحجرية”.
سلعة نادرة
فيما أوضحت محاسن بشير من مدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض بأن “قطوع الكهرباء التي تمتد ساعات طويلة أفرزت مشكلات تتعلق بالأرواح، إذ أذهب يومياً إلى السوق لشراء الثلج الذي أصبح سلعة نادرة يصعب الحصول عليها لكثرة الطلب في ظل هذه القطوع الطويلة، وذلك بغرض حفظ جرعات الأنسولين حتى لا تتعرض للتلف”.
وأردفت بشير “أقوم بشراء كميات كبيرة من الثلج كل يوم وهي عملية مرهقة مادياً في ظل الأزمة الاقتصادية، لكن نعاني أيضاً مشكلة عودة التيار الكهربي لفترة أربع ساعات والتي لا تكفي لعمل الثلاجات بكفاءة”.
ولفتت المواطنة إلى أن “المعاناة أصبحت غير محتملة، وبات تسيير أمور الحياة من دون كهرباء أمراً مستحيلاً خصوصاً في المستشفيات الحكومية والمراكز الخاصة بالتحاليل والأشعات وغيرها، فضلاً عن المشارح التي تتكدس فيها الجثث”.
طوق نجاة
من جانبه، أشار الباحث المجتمعي أيوب عبداللطيف إلى أن “قطاع الكهرباء لحق به دمار كبير بسبب استهداف قوات ’الدعم السريع‘ محطات التوليد بالمسيرات، والتي برزت كوجه آخر من أوجه الصراع في السودان، مما تسبب في تعميق أوجاع المواطنين وتوقف أحوالهم المعيشية”.
واستطرد أيوب “في تقديري أن إعادة تأهيل قطاع الكهرباء وإصلاح الدمار الذي لحق به يحتاج إلى مليارات الدولارات لتعويض خسائره، لكن كلما استعاد الجيش منطقة جديدة من قبضة ’الدعم السريع‘ يزيد الضغط على الشبكة العامة للكهرباء، التي تعمل بنسبة 40 في المئة من الإنتاج”.
وتابع الباحث قوله “هذا الاستهداف وما نتج منه من قطوع في الكهرباء لساعات طويلة أدى إلى تعطل مصادر أرزاق المواطنين، إذ توقفت بعض المحال التجارية في الأسواق عن ممارسة نشاطها، وكذلك المطاعم والمخابز والطواحين ومصاحن البهارات وقامت بتسريح عمالتها، فضلاً عن المشكلات الصحية التي أصبحت هاجساً لاصحاب الأمراض المزمنة، وبخاصة مرضى السكرى والفشل الكلوي”.
وزاد الباحث المجتمعي “المواطنون في الولايات التي تعاني شبه انعدام للكهرباء لجأوا إلى بدائل منها جلب أنظمة الطاقة الشمسية، وآخرون اتبعوا وسائل تقليدية في التبريد والإنارة وحفظ الأطعمة، والعمل على تلطيف الأجواء الساخنة من خلال إنشاء مظلات مفتوحة”.
خسائر فادحة
وعلى صعيد متصل، يرى المتخصص الاقتصادي عبدالوهاب جمعة أنه “من المعلوم أن الكهرباء تعد من أساسات الحياة بالنسبة إلى المواطنين، ولا يمكن الاستغناء عنها لأنها المحرك الأساس في عجلة الاقتصاد والإنتاج، بالتالي استهداف محطات التوليد الكهربائي، وتعطيلها فاقم من معاناة الناس وشل الحياة بصورة لا توصف”.
وواصل جمعة “هذه الحرب المستمرة في البلاد عرضت شركة الكهرباء لخسائر فادحة، بسبب تعطل عمليات التوليد الحراري والمائي والخطوط والمحطات التحويلية، سواء باستهدافها بالمسيرات أو القصف المدفعي المتبادل بين طرفي الحرب أثناء العمليات العسكرية، مما أدى إلى انهيار شبكات النقل إضافة إلى السرقة التي طالت الكوابل والأسلاك وغيرها، مما انعكس ذلك سلباً على القطوع المستمرة ومستوى توزيع الكهرباء”.
وأوضح المتخصص الاقتصادي بقوله “إعمار ما دمرته الحرب في قطاع الكهرباء واستقرار الإمداد يحتاج أعواماً طويلة في ظل اقتصاد منهار، إذ إن البلاد تحتاج ما لا يقل عن 2900 ميغاوات/ساعة لتصل إلى مرحلة الاكتفاء داخل الولايات التي تعاني برمجة أو انقطاعاً كاملاً، ومن ثم استقرار أوضاع المواطنين المعيشية”.
شارك هذا الموضوع :