أم درمان تختنق.. وصوت المدينة يحتضر في صمت المسؤولين .

أم درمان تختنق.. وصوت المدينة يحتضر في صمت المسؤولين .
كتب عمرو فرج الله
متابعة -السلطة نت
في قلب العتمة، حيث تتقاطع المأساة مع اللامبالاة، تختنق أم درمان، المدينة التي كانت ذات يومٍ مرآةً للضجيج السوداني النبيل، بحمم الكارثة الصحية والإنسانية، حتى غدت ترقد على حافة الإنهاك، كجسدٍ عليل يتنازعه الوجع من كل صوب.
في مشفى النو، ذلك المستشفى الذي ما عاد مأوىً للشفاء، بل صار مرآةً صادقة لعجز الدولة وتخلي العالم، تراكمت الأجساد الهزيلة خلف جدران العزل، تئن تحت وطأة الكوليرا، وقد تجاوزت الإصابات حاجز المائتين، فيما الحُمّى تسري بين الأحياء كجمرٍ في هشيم.
أما الكهرباء، فهي الأخرى غابت منذ تسعة أيام، تاركةً المدينة تواجه صيفها الجهنمي بدرجة حرارة بلغت 43 درجة مئوية، بلا ماء ولا مراوح ولا قلب يعبأ. المياه قُطعت عن أحياء بأكملها، وصار برميلها يُباع بثلاثين ألفًا، بينما قفزت أسطوانة الغاز إلى خمسة وأربعين ألفًا، في مشهدٍ يشي بأن الحياة هنا لم تعد تُحتمل إلا على سبيل المجاز.
الوقود؟ حديث آخر عن العدم. شحٌّ فادحٌ يعمّق الشلل، فلا مركبات تتحرك، ولا إسعافات تصل، ولا حتى ضوء في العيون يلوّح بالأمل.
أم درمان، مدينة التاريخ والثورات، تُترَك لتواجه مصيرها وحيدة، كمنفيٍّ بلا خريطة، وكأنها خرجت من ذاكرة الدولة، وسقطت من حسابات العالم.
إنّ الوضع في أم درمان لم يعد ينتمي إلى خانة “الطارئ”، بل هو كارثة مكتملة الأركان، تستدعي تدخلاً عاجلاً، لا على مستوى الإغاثة فحسب، بل في ضمير الإنسانية ذاته. فما قيمة العالم إذا لم يسمع أنين مدينةٍ تموت على مرأى ومسمعٍ من الجميع؟