من صاحب الوطن ؟

من صاحب الوطن ؟
متابعات- السلطة نت
في كل مرة يشتد فيها الخلاف بين السودانيين، تُخرَج الوطنية من جيبها، وتُستخدم كأداة طعن لا كمساحة التقاء.
كل طرف يرى نفسه الأحق بالوطن، وكل مجموعة تظن أن ولاءها هو الأصدق، وأن تضحياتها هي الأثمن، وأن صوتها هو الأعلى.
لكن، هل هذا حقًا حب للوطن؟ أم أنانية مغلّفة بشعارات سامية؟
أم أننا وقعنا في فخ أعمق: فخ التمركز حول الذات باسم الوطن؟
نحن السودانيين نحمل نعمة قلّما تتوفر لغيرنا: تنوع بيئي، إثني، ثقافي، لغوي، وديني.
هذا التعدد الذي يمتد من عمق النيل إلى تخوم الجبال، من اطراف القرى إلى صخب المدن، هو ما يشكّل لوحة الوطن.
لكن بدل أن نراه مصدرًا للقوة، أصبحنا نحوله إلى نقاط نزاع، كأنّ الاختلاف عارٌ يجب ستره أو خطر يجب التخلص منه.
متى بدأنا نخاف من بعضنا؟
متى أصبحت لهجتك مدعاة شك، وقبيلتك تهمة، ورأيك جريمة؟
كيف انحرفت بوصلتنا إلى حدّ أن النقاش في مستقبل الوطن تحوّل إلى حلبة لتوزيع صكوك الوطنية؟
من أعطى هذا الحق؟ ومن انتزع شرعية الانتماء من الآخرين؟
في عزّ الح ر ب، ونحن نحاول النجاة، يخرج علينا من يُنظّر للوطنية وكأنها ملكية خاصة، يوزعها على من يشاء ويمنعها عمّن يختلف معه.
لكن الوطنية ليست معطفًا يُلبس ويُخلع، ولا موقفًا سياسيًا عابرًا،
الوطنية هي أن أؤمن أن لك حقًا في هذا البلد كما لي، حتى لو اختلفنا في الرأي والانتماء والطريقة.
نحن نضيع كثيرًا من وقتنا وجهدنا في مع ارك جانبية، في التنمر على من اختلف، في اتهام من تكلم بلهجة غير لهجتنا،
في محاكمة نوايا الناس عوضًا عن فتح أبواب النقاش حول “ما بعد الحر ب”.
كيف سنبني؟ كيف سنعالج الجراح؟ كيف نُعيد الثقة؟
بل الأهم: كيف نعيش معًا مجددًا بعد أن اهتزت أواصرنا وتكسرت قلوبنا؟
ألم يحن الوقت لنفهم أن الاختلاف ليس تهديدًا بل فرصة؟
أن تنوع وجهات النظر يوسع زوايا الرؤية ويقودنا لحلول أكثر شمولًا؟
أن الديمقراطية لا تعني تطابق الآراء، بل احترام الاختلاف وتنظيمه؟
وأن الوحدة لا تعني الذوبان، بل التفاهم والتكامل؟
إن السلام الحقيقي، ليس ما يُكتب في الاتفاقيات، ولا ما يُتلى في نشرات الأخبار،
السلام الحقيقي يبدأ من داخلنا، من طريقة رؤيتنا لبعضنا، من قدرتنا على احتضان الآخر حتى في ظل الخلاف.
حين نحب بعضنا كسودانيين أولًا، لا كمنتمين لفصيل أو منطقة أو قبيلة،
حين نحمل همّ الوطن قبل همّ الانتصار،
حين نكفّ عن الصراخ ونبدأ في الإصغاء،
حين نمد أيدينا لبعضنا بدلًا من الاتهام والشك،
حينها فقط، يكون لنا وطن نستحقه… ويستحقنا.
دعونا نعيد تعريف الوطنية بأنها: التواضع أمام عظمة هذا البلد، والاعتراف بأن لا أحد يملك السودان وحده، بل كلنا نملكه حين نختار أن نحب بعضنا رغم اختلافنا.
شارك هذا الموضوع :