ضياء الدين بلال يكتب :- أبوعركي وتلك الليلة…!
كان أقرب للخيال.. في سنوات الطلب ، كُنت بالمحطة الوسطى بحري مساء يومٍ غابرٍ، مشوّش بنزعة الظهر على وصف المُبدع عادل القصاص، وبالحافلة المُتهالكة المُتّجهة نحو أم درمان، كان شريط الكاسيت يصدح عاليًا بواحدة من أجمل وأروع أغاني الأستاذ أبو عركي البخيت…
يا قـــلب أنا كنت قايلك..
تُبت من تعب السفــــــر..
ومن مخاواة القمـــــاري..
ومن شراب موية المطر..
وعند نهاية كوبري شمبات وبداية أم در، وعركي في علياء تألقه وصوته يهز وتر الأزمنة، ويُلاطف عصب الوجع، تردّدت كثيراً بين إكمال المشوار إلى موقف الشهداء أو النزول بنهاية كوبري شمبات، للدخول إلى أبو روف عبر شارع النيل.
وما أن شاورت جيبي في اتْخاذ القرار حتى كان خياري الاضطراري أن أقول للكمساري بصوت محسور (لو سمحت أقيف هنا)…!
نزلت من الحافلة مع ذلك مُمتلئاً بالنشوة، وفي الخاطر حسرةٌ، على تلك المُتعة التطريبية التي لم تُكتمل.
ولعدم وجود مواصلات بشارع النيل في امتداده الأم درماني زمان ذاك، قرّرت أن أمارس (التمليح).
المُدهش إلى حدّ الصّدمة، أن أول عربة أشرت إليها كانت سيّارة أظنها كورولا بيضاء يعتريها بعض الغباش، كان يمسك بمقودها الفنان الكبير أبو عركي، وإذا بصرخة احتفائية عفوية تصدر مني، ترتفع على إثرها حواجب البخيت إلى فوق مُستوى التعجُّب لتهبط على حواف الابتسام، بعد أن حكيت له قصة انسحابي من رحلة التحليق مع القماري وشراب موية المطر، لأهبط على واقع الناس اضطراراً، لأجد عركي بصرامته المُحبّبة، ولحيته المُميّزة أمامي كفاحاً.