تفاصيل كاملة عن رحلة حجاج الفاشر من الإقليم المنكوب حتى السعودية

تفاصيل كاملة عن رحلة حجاج الفاشر من الإقليم المنكوب حتى السعودية

رصد _ السلطة

عبروا مسالك وعرة في الصحراء والبحر فراراً من الحرب فراح ضحية ذلك اثنان منهم

-ملخص:

استمرت رحلة حجاج الفاشر من السودان إلى السعودية ستة أيام ليلاً ونهاراً عاشوا فيها وعثاء السفر وكآبة المنظر تغيرت على إثرها ملامحهم من أثر الغبار.

خرج حجاج مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان قاصدين المشاعر المقدسة لأداء مناسك الحج في رحلة إيمانية محملة بالمشقة والعناء ومحفوفة بالأخطار في الأراضي السودانية، جراء استعار الحرب في البلاد بين طرفي الصراع.

وفي جولة لـ”اندبندنت عربية” في المشاعر المقدسة، التقت عدداً من حجاج “الفاشر” في مخيمهم بمنى، وهم الذين قدموا عبر البحر بعد رحلة أشد عناء وسط فيافي الصحراء والمخاوف.رحلة العذاب

ويروي الحجاج السودانيون حكاية رحلة العذاب التي بدأت منذ وقت مبكر ولم تسمح لهم الفرصة بالسفر جواً، فقرروا قصد البحر، لكن قبل ذلك كان لا بد لهم أن ينتقلوا من الفاشر غرب السودان إلى ميناء سواكن شرقي البلاد ثم عبر البحر إلى ميناء جدة.

وكانت خطة الرحلة أن تسلك قافلة الحجاج طريق “الإنقاذ الغربي” وهو الشريان الرئيس الذي يربط مدينة الفاشر بالعاصمة الخرطوم عبر الباصات، لكن في اليوم السابق لموعد الرحلة منعت قوات “الدعم السريع” دخول تلك الباصات إلى المدينة لنقل الحجاج إلى ميناء سواكن، فما كان أمامهم سوى اختيار الطريق الصعب.

وبالفعل حزم الحجاج أمتعتهم في بداية يونيو (حزيران) الجاري وصعد 143 شخصاً من رجال ونساء وأطفال على متن شاحنة مكشوفة عبروا بها الصحراء متجهين إلى مدينة “الدبة” شمال السودان تحت أشعة الشمس الحارقة والرياح العاتية المحملة بالأتربة والرمال، وكل منهم يحمل في قلبه أمنية واحدة وهي الوصول إلى المشاعر المقدسة.

استمرت رحلتهم ستة أيام ليلاً ونهاراً عاشوا فيها وعثاء السفر وكآبة المنظر تغيرت على إثرها ملامحهم من أثر الغبار، وخلال تلك الرحلة الشاقة المحفوفة بالمهالك توفي منهم حاج يتجاوز عمره 70 سنة على مشارف مدينة الدبة ودفن فيها، وكانت هي محطة استراحتهم لمدة ثلاثة أيامبعد ذلك جمع الحجاج كما يروون لـ”اندبندنت عربية” أمتعتهم مرة أخرى وانطلقوا من الدبة عبر باصات باتجاه ميناء سواكن إذ صعدوا على متن عبارة في رحلة بحرية استغرقت نحو 14 ساعة حتى وصلوا إلى ميناء مدينة جدة غرب السعودية، إذ وجدوا حفاوة استقبال قالوا إنها أنستهم مشقة السفر وبدأوا استعداداتهم لأداء مناسك الحج.

سيطرة “الدعم السريع”

وزرعت قوات “الدعم السريع” الرعب في قلوب السودانيين لا سيما الواقعين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، التي تهددها بالهجمات اليومية التي لم تحسم نهايتها بعد، وتشهد المعارك بينها وبين الجيش السوداني ذروتها في الإقليم المنكوب.وقال الحاج محمد أحمد وهو اسم مستعار اختاره خوفاً من الاغتيالات أو الاعتقال إنه “بسبب سيطرة قوات الدعم السريع على الطرق الرئيسة لمدينة الفاشر سلكنا الطريق الوعر، وكانت رحلة قاسية ذكرتنا بالأعوام السالفة إذ قطعنا فيها الصحراء والبحر، وكنا نسير ليلاً ونهاراً وعشنا من خلالها لحظات كأننا نعيش قبل 100 عام، وعلى رغم ذلك تحملنا مشقة السفر والمسافة الطويلة إذ كانت غايتنا الوصول إلى مكة وأداء مناسك الحج”.

وعن الرحلة الشاقة التي عاشها حجاج الفاشر ذكر الحاج منصور نور الدايم أن “الرحلة شاقة ومتعبة إذ الشمس فيها لا ترحم لكنها في سبيل الحج وأداء المناسك تهون، وعلى الإنسان أن يجتهد في العبادات فكان لا بد أن نقدم تضحية بشيء من طاقتنا، ولكن انزاح ذلك التعب عندما وصلنا إلى المشاعر المقدسة ولا أفكر في طريق العودة، على رغم أنه قد يكون ذات المسار”، وهي الصعوبات التي قال إن إجهادها جعل حاجاً آخر ضمن المجموعة يلقى حتفه بعد أن وصل السعودية، إذ لم يتحمل عناء الطريق، فوصل في آخر رمق، ولم تفلح الجهود السعودية الطبية المكثفة في إنقاذه.خدمة الحاج شرف

وتحدث حجاج الفاشر عن مشاعرهم عندما وصلوا إلى ميناء جدة فقال الحاج حسن الطيب “كنا في غاية كبيرة من السعادة عندما وصلنا إلى ميناء جدة إذ وجدنا الاحتفاء والترحيب وكرم الضيافة، ونشكر السعودية حكومة وشعباً… فما كادنا نصدق أنفسنا أننا وصلنا، فعندما رأيت الكعبة انهالت دموعي فرحاً”.

فيما ثمن الحاج كمال عبدالقادر مواقف السعودية في إيجاد حلول للقضية السودانية وقال “نشكر السعودية ومواقفها وجهودها في إيجاد حل للقضية التي أنهكت الشعب السوداني الذي يعاني صراعات دفعت الناس إلى التشرد والنزوح إلى دول الجوار بعد أن ضاقت بهم الحال في السودان، وعسى أن تسهم دعوات الحجاج في رفع البلاء عن السودان وأن تعيد الأمن والأمان وأن تجمع كلمتهم وتزيل الفرقة”.محمل دارفور”

ويرتبط حجاج السودان عموماً و”دارفور” بخاصة التي تعد الفاشر عاصمة إقليمها، بعلاقة استثنائية مع الحج ومناسكه، إذ كان سلاطين الإقليم العريق قبل قرون يرسلون هداياه مع الحجاج إلى البيت الحرام، في إطار وفد “محمل دارفور”، الذي كان إلى جانب المصري والشامي من بين المحامل ذائعة الصيت، قبل أن تزدهر عمارة الحرمين وكسوة الكعبة المشرفة في العهد السعودي.

ويؤكد المتخصصون أن ثمة علاقة روحية خاصة تجمع المسلمين من السودان وغرب أفريقيا في رحلات الحج السنوية، فهي تجربة تتجاوز مفهوم رحلة الحج الاعتيادية إلى حد بعيد، تفيض بها ذاكرة تلك الفترة منذ قرون بمظاهر وتفاصيل متنوعة تجعلها من أكثر الرحلات الدينية خصوصية وتفرداً.

وكان الحجاج من (بلاد السودان) وهي بحسب المؤرخين المنطقة الممتدة جنوب الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي إلى بلاد النوبة على نهر النيل، يسلكون الصحراء في صعود على الكثبان الرملية وهبوط نحو الوديان ومروراً بالواحات والمساحات المكسوة بالخضرة، وتعد الرحلة الأكثر تنوعاً من بين الرحلات الأخرى التجارية أو الحربية أو الفتوحات العسكرية، مما انكشف عنه الستار في ذلك الزمان. وتابعه المؤرخون المسلمون.