الإسلاميون في السودان يتبنون خيار التصعيد في الحرب
#رصد_السلطة
وضع التيار الإسلامي في السودان المزيد من العراقيل أمام محاولات وقف الحرب، بعد أن اختار قادته للرئاسة وزير الخارجية السوداني الأسبق علي كرتي الذي يعبر عن التيار الرافض لوقف إطلاق النار، وكان من الأسباب الرئيسية لاندلاعها، وسط توقعات أن تتوالى العقوبات على قادة الحركة الإسلامية مع اتجاه دولي نحو حظر توريد الأسلحة وإرسال قوات لحماية المدنيين.
واختار ما يسمى بـ”التيار الإسلامي العريض” -ويضم العديد من الحركات والأحزاب الإسلامية- علي كرتي رئيسا له خلفا للمنتهية ولايته عمر الأمين الحسين، عقب اجتماع لمجلس رئاسة التيار الاثنين، ما يشير إلى أن التوافق على القيادة الإسلامية جاء دون اعتراضات، مع ضعف تأثير الحركات والأحزاب، مقارنة بالحركة الإسلامية التي شغل كرتي فيها منصب الأمين العام.
ووقّعت على إعلان تأسيس “التيار الإسلامي العريض” في أبريل من عام 2022 عشرة أحزاب وحركات، في مقدمتها الحركة الإسلامية، وهي مرجعية تنظيمية لحزب “المؤتمر الوطني” (المنحل) و”حركة الإصلاح الآن” و”الإخوان المسلمون” و”منبر السلام العادل” وحزب “دولة القانون والتنمية” وحركة “المستقبل للإصلاح والتنمية”.
وسبق أن استهدفت الولايات المتحدة كرتي بسلاح العقوبات بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع بتهمة عرقلة وقف إطلاق النار بينهما.
وبدأ التيار الإسلامي يكشف أوراقه السياسية ويُظهر رغبته الملحة في استمرار الصراع أطول فترة ممكنة؛ فاختيار كرتي، الهارب من سجن كوبر بعد الحرب، الهدف منه إعادة ترتيب التيار، والبرهنة على الرغبة العارمة في السيطرة مرة أخرى على السلطة.
وأعلن الاتحاد الأوروبي الثلاثاء تأييده لتوسيع نطاق حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور ليشمل كل السودان، كما أنه من المتوقع إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال جديدة بحق مسؤولين سودانيين.
وينظر مجلس الأمن الدولي اليوم الأربعاء في عملية تجديد نظام العقوبات المفروض على السودان منذ عام 2004، ويتضمن حظر نقل المعدات العسكرية إلى دارفور، بما في ذلك الأسلحة والذخائر والمركبات والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار.
وقال المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس إن “الواقع يشير إلى أن علي كرتي اختار نفسه رئيسا للتيار العريض وليس التنظيم الإسلامي، وذلك من واقع سيطرته الكاملة على مجموعات الإسلاميين، وتقديم نفسه كشخصية قيادية صارمة في الالتزام بمشروع الإسلاميين، ويشي وجوده على رأس التيار العريض برغبته في الانتقال بالتنظيم إلى مرحلة تكون فيها الحركة الإسلامية تحت مسمى جديد”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “اختيار كرتي يشير أيضا إلى وجود انشقاق داخل جماعة الإخوان في السودان، خاصة بين الجناح الذي يقوده كرتي وجناح إبراهيم غندور وعدد من حلفائه ممن لهم صلات بحزب المؤتمر الوطني المنحل، وهي مجموعة تحاول أن تقدم حلولا متوازنة تنقذ الإخوان من ورطة الحرب، فيما يقود كرتي التيار المعارض لوقف الحرب”.
وشدد إلياس على أن اختيار كرتي هو استباق لمفاوضات وحوارات من المقرر أن يقوم بها التيار المعتدل مع بعض دول الإقليم، لبحث إمكانية وقف الحرب، وتعيين كرتي يهدف إلى قطع الطريق على هذا المسار.
ولفت في حديثه لـ”العرب” إلى أن القيادي المتشدد لا يعتمد فقط على مركزيته في الحركة الإسلامية، وإنما هناك أبعاد مناطقية يمثل من خلالها أبناء شمال السودان الغالبية العضوية المؤثرة في التنظيم، ما يشير إلى أن التطور الحالي يعبر عن “انشقاق داخل منظومة الإسلاميين”.
ويقود كرتي تيارا تبنى منذ اندلاع الثورة ضد الرئيس السابق عمر البشير فكرة التحالف مع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، والعمل على إضعاف الفترة الانتقالية بعمل منهجي لتقسيم قوى الثورة بدلاً من الانقلابات المباشرة التي اعتاد عليها السودانيون عبر الانقضاض على قيادة الجيش.
وسعى كرتي لاستعادة النفوذ الإسلامي والتحكم في مفاصل الدولة، والدفع باتجاه خيار الانتخابات المبكرة دون إصلاحات تضمن نزاهتها، ما دعم حظوظه السياسية عقب الانقلاب على السلطة المدنية في أكتوبر 2021، ونجحت خطته في إلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وعودة الكثير من فلول البشير إلى مواقع مهمة في سلك القضاء وقطاع الخدمة المدنية ومؤسسة الجيش.
وأشرف على قوات الدفاع الشعبي، الذراع العسكرية للحركة الإسلامية في السودان، وبعد سقوط نظام البشير أمرت النيابة العامة بالقبض عليه لدوره في انقلاب 1989 الذي أوصل البشير إلى السلطة، وأكدت في بيان لها تجميد أصوله.
وأوضحت المحللة السياسية السودانية شمائل النور أن الجماعات التي تُوصف بأنها إسلامية ليست على قلب رجل واحد، وهناك العديد من التيارات، من بينها الجناح الداعم للحرب ويقوده كرتي، ما يجعل اختياره على رأس التيار العريض منطقيّا، خاصة أنه عمد منذ سقوط نظام البشير إلى عقد صفقات مع المكون العسكري.
وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “كرتي اختار الاقتراب من البرهان عقب اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع، وسيلعب دورا سياسيا عبر موقعه الجديد بما يتماشى مع طبيعة المرحلة التي يراد لها أن يُحكم فيها العسكريون السيطرة على مفاصل السودان”.
وذكرت أن قدرة الإسلاميين على تحقيق مكاسب من وراء وجود كرتي ليست محسومة رغم العلاقة الوطيدة التي تربطه بالبرهان، فالأخير يتعامل مع الحركات الإسلامية على أنها ورقة يريد الإمساك بها لتحقيق مكاسب، لكنه قد ينتقل أيضا إلى ورقة قوى الثورة لإرضاء طموحه الشخصي في البقاء على رأس السلطة.
ويعلم البرهان أنه إذا كانت لديه رغبة في الحكم عليه التخلي عن الإسلاميين، وهو ما يجعله يلعب على جميع التناقضات لإطالة أمد فترته في الحكم، من دون أن يصل إلى قطيعة مع الإسلاميين، كما أنه لن يكشف عن تعاونه العلني معهم.
العرب