ودمدني لم تكن صفقة وإنما عرق ودماء

ودمدني لم تكن صفقة وإنما عرق ودماء
الإعلانات

متابعات – السلطة نت

– ود مدني  لم تكن صفقة وإنما عرق ودماء

– وجه الحقيقة _ إبراهيم شقلاوي

من خلال مراقبة سير الحرب في السودان وتداعياتها الإقليمية والدولية ، يبقى تحرير مدينة ود مدني في 12 يناير 2025 من مليشيا الدعم السريع محطَّة تحول كبيرة . هذا الحدث العسكري يعكس تغييرًا حاسما  في مسار الصراع السوداني ، إذ يشير إلى تغير في موازين القوى داخل البلاد . العملية العسكرية التي نجح فيها الجيش السوداني في استعادة المدينة عبر محاور متعددة وبعد تحضير معقد اعتمد علي الخبرة ومعرفة طبيعة الأرض ، لم تكن مجرد استعادة منطقة استراتيجية،  بل هي مؤشر على إعادة رسم المشهد العسكري والسياسي السوداني ، والتأكيد على أن السودان قادر على فرض سيادته ، رغم التحديات .

 

تحرير ود مدني عبر عن قدرة الجيش في ادارة المعركة سبقتها عملية استخباراتية معقدة. اشتملت على استراتيجيات متعددة مثل العمليات التكتيكية  بغرض استنزاف العدو والتي بدأت بضرب منظومة التشويش والاتصال ، فضلاً عن الإنزال الجوي خلف خطوطه  عزل بشكل فعّال قيادة المليشيا  داخل المدينة عن خارجها  . لكن الأبعاد الأعمق لهذا الانتصار  تكمن ،  في دلالاته السياسية والاقتصادية . فود مدني ، كونها قلب الزراعة السودانية ، تعني استعادة جزء من الاقتصاد الذي كان مهددًا ، وهو ما سيترتب عليه إعادة توازن في الموارد والمصادر الحيوية للدولة السودانية خصوصًا وأن البلاد مقبلة علي موسم زراعي ينتظر أن يساهم في تعزيز عملية الإنتاج ووفرة الغذاء .

 

أن مليشيا الدعم السريع التي اعتمدت على الهجوم السريع والفزع المتواصل والعنف لتحقيق أهدافها ، باتت في مرحلة انهيار . لقد فشلت هذه المليشيا في توفير قاعدة دعم شعبية أو حتى حاضنة محلية حيث تبخرت في الهواء الادارة المحلية المزعومة التي اقاموها في ولاية الجزيرة، التحولات الميدانية تظهر أن المليشيا قد طويت صفحتها . فالنصر في ود مدني يمثل نقطة فاصلة بين طموحات المليشيا  وانهيارها  ، فإن مظاهر الاحتفال العفوي التي اجتاحت المدن السودانية ومدن أخرى خارج السودان حملت رسالة واضحة : الشعب يقف خلف جيشه لاستعادة الأمن والسلام . ومثل ذلك  صفعة قوية على وجه الداعمين الإقليميين و المحليين الذين راهنوا علي الخذلان على نشر الفوضى وترويع المدنيين ، لكنهم لم  يحسبوا حسابًا لهذا التلاحم الشعبي مع الجيش . كان قرارهم  بتوسيع الحرب خارج الخرطوم والاستعانة بمرتزقة أجانب خطأً استراتيجيًا أدى إلى عزلتهم داخليًا وخارجيًا .

 

فإن الادعاء بأن تحرير  ود مدني تم بصفقة  هو مجرد محاولة لخلط الأوراق وإفساد الفرحة الشعبية بإنجاز وطني حقيقي  صنعه عرق الميدان ودماء الشهداء .  حلفاء المليشيا في تنسيقية القوى المدنية “تقدم”،  يروجون لهذا المزاعم  ليعكسون فشلهم بعد  سقوط مشروعهم السياسي الذي كان يعتمد على الهيمنة المدعومة إقليميا ويخطط لقيام حكومة بدعوي نزع الشرعية. الواقع أن التحرير تم عنوة وجسارة ، فالحديث على صفقة  غير موجودة إلا في خيالهم المخزي وحديثهم  الكذوب . هذه المزايدات السياسية البائسة تسعى فقط لزرع  الشكوك وإضعاف التلاحم الوطني النضر ، لذلك  على الجميع أن يدرك أن هذه الادعاءات لا تخدم إلا أجندات الضيقة التي تهدف إلى تقويض الأمن والاستقرار السياسي .

 

إن انتصار الجيش السوداني في تحرير ود مدني يعكس تطورًا استراتيجيًا له تداعياته الإقليمية والدولية . على الصعيد الإقليمي يطرح هذا الانتصار تساؤلات حول مواقف دول الجوار التي كانت تتجاهل أو تقف في موقع محايد إزاء الأزمة السودانية . بجانب تلك التي قدمت  دعم مباشر بالمال والسلاح واستعواض المقاتلين أطال أمد الحرب وكشف عن محاولة لتقويض إستقرار البلاد و أطماع في مواردها . هذه التطورات تشير إلى أن السودان لن ينسي خذلان بعض جيرانه مثلما لن ينسي وقوف أصدقاءه إلى جانبه .

 

أما عن المبادرات الدولية والإقليمية التي كانت تهدف إلى “الوساطة” بين الحكومة السودانية والمليشيا قد فقدت فعاليتها مع تقدم الجيش  وانتزاعه للانتصارات . المبادرات التركية على سبيل المثال ، رغم ما تملكه من تأثير إقليمي تواجه تحديًا في إعادة تموضع مواقفها في ظل المعطيات الجديدة على الأرض . منبر جدة الذي كانت تطمح بعض القوى الدولية لتوظيفه من أجل فرض حلول وسطية ، لا يبدو أنه يمثل حلًا مناسبًا في ظل موازين القوى الجديدة ، وهو ما يفتح الباب أمام مراجعة شاملة لمواقف المجتمع الدولي تجاه الحرب في السودان .

 

لا يمكن إغفال دور الإعلام في تشكيل الرأي العام الدولي حول  الحرب في السودان التي تمثل تمردًا واضحًا من مليشيا على سلطة الدولة ، إلا أن قصور بعض القنوات الإعلامية في تقديم هذا التعريف الصحيح تسبب في أضرار بالغة  أثر علي تحديد مسؤوليات الأطراف المتورطة في الحرب . الفشل في تعريف الحرب على أنها صراع بين دولة ومتمردين يعد تضليلا متعمدًا ، ساهم في تعزيز حالة الارباك  وخذل الشعب السوداني.

 

هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن تحرير ود مدني يؤكد أن الطريق نحو استعادة الأمن والسلام في بلادنا يمر عبر الوحدة و السيادة الوطنية بعيدًا عن التدخلات الخارجية. وأن مصير السودان في يد شعبه وجيشه ، وليس في يد قوى إقليمية أو دولية   فالمستقبل يتطلب سياسة مستقلة ، ومواقف أكثر نضجًا من  العالم تجاه قضايا السودان. كما أنه لا بد من إعادة صياغة الخطاب الإعلامي الوطني ليعكس صورة الواقع السوداني بعيدا عن الابتزاز ومحاولات تغبيش الوعي استعدادا لمرحلة اعادة البناء .

دمتم بخير وعافية .

الإحد 12 يناير 2025م             Shglawi55@gmail.com

 

شارك هذا الموضوع :