باشمهندس أمير يكتب _ كارثة قطع الاتصالات والإنترنت عن أهل السودان ليست بجديدة (1)

باشمهندس أمير يكتب _ كارثة قطع الاتصالات والإنترنت عن أهل السودان ليست  بجديدة (1)

رصد _ السلطة

كارثة قطع الاتصالات والإنترنت عن أهل السودان ليست
بجديدة (1)

مشكلة حرمان المواطن المغلوب على أمره من خدمات الاتصالات والإنترنت تحديدا ليست بجديدة ولكن الجديد فيها أن هذه المرة فعلها الدعم السريع وأدخلها دائرة الصراع الآثم بإتباعه ما سبقه له سادات الأمس أعداء اليوم والأخطر من ذلك تبرير فعلته هذه بمبرر جهوي جنح فيه ذات الجنوح البغيض الذي بدى في خطابات البرهان إبان خروجه من القيادة العامة وفي صراخ بعض مناصريه الحمقى.

رجوعاً لموضوع قطع خدمات الاتصالات دعونا نتناول جانب غفل أو تغافل عنه غالب من تناولوا هذا التعدي السافر على إنسان السودان المسلوب الحقوق والإرادة وهو جانب “الهشاشة البنيوية” التي آلت لها بنية قطاع الاتصالات والتي ساعدت في حدوث هذا الفعل الكارثي وتضخم أضراره وهي مشكلة ليست بالجديدة.

والذي حدث ما هو إلا تأكيد على حقيقتها وخطورة إنكارها فهي واقع تصاعد وتجذر مع ظهور الشبكات ذات التحكم المركزي وصعود خدمات الموبايل والانترنت في بدايات الألفية، واقع يكاد يكون المسؤول الأول عن ما حدث وعن حجم الضرر الكبير الذي أحدثه هذا الحدث، واقع جعل من القطاع مطية سهلة للسياسيين والعسكريين والمرتزقين الذين لا يدركون أو لا يهتمون كثيراً للبعد الوطني والاستراتيجي لهذا القطاع إلا في الجزئيات التي تضمن لهم مصالحهم المباشرة، وهذا ما أضعف بنية القطاع وجعله صيدا سهلا لأصحاب الأغراض وسهل على الدعم السريع جهد التفكير والشروع في استخدام خدمات الاتصالات في هذا الصراع الظالم ولم يكلفه ذلك أكثر من تقليد ما كان يفعله ساداته السابقين وبجهد محدود وفي مساحة جغرافية محدودة تمكن من عزل السودان عن محيطه وتمزيق صلات إنسانه والعبث بما تبقى من دولاب دولته.

هذه “الهشاشة البنيوية” ما هي نتيجة طبيعية لرؤية وسياسات و “عقلية أمنية” ظلت تدير بها الدولة قطاع خدمات الاتصالات “المدنية” وهنا أضع خطين تحت كلمة “المدنية” لأن هنالك خلط كبير في هذا القطاع بين ما هو مدني وما هو عسكري وأمني، هذه العقلية والمنهجية هيأت للسلطة سطوة غير محدودة على القطاع وجعلتها تتحكم فيه وتدمن إستخدامه لأجل أغراضها السياسية والأمنية والعسكرية دون أدنى حساب لإنعكاسات ذلك على المواطن وعلى المشترك الذي يعتبر الممول الأساسي للقطاع والمساهم بنسبة 11% من الدخل القومي للدولة.

وهذه “العقلية الأمنية” هي التي جلعت السلطة التنظيمية تدور في فلك محدود أهملت معه أهم مهامها التنظيمية، فصارت تمنح الرخص خارج إطار الضوابط العالمية، تتساهل وتتنازل عن كثير من المطلوبات التنظيمية الاستراتيجية التي تضمن التوجه الوطني الشامل للقطاع وإستمرار واستقرار خدماته، تتساهل في دورها الرقابي على أداء الشركات في البعد التنموي والتقني والمالي وحماية حقوق المشتركين ومثال بسيط لهذا التساهل كان من واجب السلطة أن تراجع مع شركات القطاع معدل تنفيذها لمطلوبات رخصها وخططها الفنية لتطوير القطاع وضمانات تأمين استمرار الخدمات بالذات في حالات الطواري مثلا أن تتأكد مع هذه الشركات من التباعد الجغرافي لمواقع المعدات الرئيسية Core Network elements وتعمل مع الشركات علي توزيعها في مناطق و اقاليم مختلفة في ظل توفر الامكانية الفنية للربط عبر تقنيات الفايبر.

وظلت السلطة تتساهل وتتنازل عن تثبيت وتنفيذ ضوابط ومعايير تعنى بجودة الخدمة وحماية حقوق المشتركين، والدليل ان هنالك كثير من الاختلالات والقطوعات في الخدمات ظلت تكرر في الشبكات ولم نرى او نسمع أن سلطة التنظيم تدخلت وحددت أسباب العلة والمسؤولية وحاسبت المسؤول وردت حقوق المظلومين، هكذا ظلت السلطة التنظيمية تتهاون أو تتعاون مع الشركات وتتغافل عن الهم الوطني الشامل وعن حقوق المواطنين والمشتركين.

نواصل بإذن الله في مقال أو مقالات لاحقة نتناول فيها بعض العوامل المتعلقة بأداء شركات الاتصالات وعوامل أخرى ساهمت في أن ينتهي حدث أو فعل محدود إلى هذه النتائج الكارثية.

_يتابع لاحقاً