زيادة تعرفة الكهرباء بين الواقعية وسوء التوقيت

متابعات – السلطة نت
زيادة تعرفة الكهرباء بين الواقعية وسوء التوقيت.
وجه الحقيقة – إبراهيم شقلاوي
تُعَدّ زيادة تعرفة الكهرباء في السودان خطوة متوقعة، إذ ظلت ضمن خطط قطاع الكهرباء منذ عام 2019، لكنها تأجلت عامًا بعد عام دون تنفيذ حلول جذرية لتغطية العجز السنوي المتجدد، والذي يُقدَّر بنحو 20٪. ورغم الفرص التي أتيحت لتطوير القطاع، لم يتم استغلالها بالصورة المطلوبة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة، وصولًا إلى الوضع الحالي الذي جعل التعرفة الجديدة عبئًا ثقيلًا على المواطنين والقطاعات الإنتاجية في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد جراء الحرب.
كان بالإمكان تقليل العجز الكهربائي عبر تسريع إدخال محطة بورتسودان “كلانييب” بسعة 374 ميغاواط، بالإضافة إلى محطة قري ( 3) التي كانت ستضيف 510 ميغاواط، بإشراف شركة “سيمنس”، حيث تجاوزت نسبة التنفيذ 70٪ قبل سقوط حكومة عمر البشير. لكن تعاقب الإدارات غير المستقرة، وتأجيل القرارات، وتعطُّل أعمال الصيانة السنوية بسبب تشريد العاملين و الصراعات الداخلية، كلها عوامل ساهمت في تأزم وضع الكهرباء.
ثم جاءت الحرب لتُشكل الضربة القاضية للبنية التحتية ، خصوصًا في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع، حيث تعرضت الكوابل للسرقة، إضافةً إلى تدمير الخطوط والمحولات نتيجة العمليات العسكرية. بالإضافة الي استهداف محطات التوليد في سد مروي، وسد ستيت، وام دباكر ، إلى جانب عدد من المحطات التحويلية في المرخيات ودنقلا ، مما زاد من تعقيد الأزمة.
زيادة التعرفة لها انعكاسات مباشرة على مختلف القطاعات، في الزراعي ستؤدي الزيادة إلى ارتفاع تكلفة تشغيل مضخات الري ، مما يرفع أسعار المنتجات الزراعية والحيوانية، وهو ما سيؤثر على الأمن الغذائي والتصدير. أما في القطاع الصناعي، فإن ارتفاع تكلفة الكهرباء سيزيد أعباء الإنتاج، مما يقلل تنافسية المنتجات المحلية، وقد يؤدي إلى خفض الإنتاج أو حتى خروج بعض المصانع من السوق. في القطاع التجاري والنقل، ستزيد تكاليف التشغيل، مما سينعكس على أسعار السلع والخدمات، ليجد المواطن نفسه محاصرًا بموجة جديدة من التضخم. في القطاع السكني سيقف المواطن عاجز امام تكاليف شراء الكهرباء في مقابل ضعف المرتبات وانعدام الدخل .
الكهرباء في البلاد ظلت تعاني من تحديات إضافية أثرت على إنتاجها ، أبرزها انخفاض مناسيب المياه و تعطل صيانة محطات التوليد في الخزانات، وتوقف الربط الكهربائي مع إثيوبيا، وعدم تنشيط الربط مع مصر . إلى جانب ذلك أدى شح النقد الأجنبي وارتفاع تكلفة مدخلات التشغيل والصيانة إلى زيادة الضغوط على القطاع ، مما جعل الحكومة تلجأ إلى رفع التعرفة لتغطية جزء من العجز المالي لرفع كفاءة الطاقة.
لكن هذه الخطوة تطرح تساؤلات حول مدى قدرة المواطن على تحمل الأعباء الإضافية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي يصعب فيها ترتيب الأولويات. تأتي هذه الزيادة في وقت يعاني المواطن من انهيار القدرة الشرائية جراء الاعتداءات المتكررة لمليشيا الدعم السريع على الممتلكات العامة والخاصة وفقدان العمل . في ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري التفكير في بدائل عاجلة تخفف من آثار القرار وتضمن استقرار الكهرباء دون أن تكون الأعباء على المواطن وحده.
لذلك لا بد من إجراءات عاجلة لإعادة تأهيل المحطات المتضررة وخطوط النقل والمفاتيح والمحولات، يجب أن يكون ذلك أولوية من خلال استقطاب تمويل خارجي فوري أو شراكات استثمارية تساهم في استعادة القدرة الإنتاجية بأسرع وقت. بجانب تشجيع الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا سيما مع تسهيل استيراد المعدات وإزالة القيود الجمركية والضرائبية عليها.
بجانب تنشيط الربط الكهربائي مع مصر وإثيوبيا يمكن أن يكون خطوة سريعة لتعويض النقص في التوليد المحلي، كما أن دعم القطاعات الإنتاجية جزئيًا قد يساعد في تقليل تأثير الزيادة على الإنتاج الزراعي والصناعي، بما يضمن عدم حدوث تضخم مفرط في الأسعار. يحتاج قطاع الكهرباء في السودان إلى إصلاحات جوهرية تتجاوز الحلول المؤقتة المتعلقة بزيادة التعرفة. فالمشكلة لا تكمن فقط في نقص التمويل، بل في الإدارة غير المستقرة.
لذلك الحلول الفاعلة كما نراها بحسب وجه الحقيقة يجب أن تكون شاملة ومستدامة، خاصة في ظل دخول البلاد في مرحلة إعادة الإعمار، وهو ما يتطلب كهرباء مستقرة تلبي احتياجات النمو الصناعي والاقتصادي وتحقق التوازن بين التشغيل الفعّال للصناعات مع الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، بجانب أهمية الاستقرار الإداري وإكمال مشروع قري وبورتسودان وإعادة النظر في مشروع الطاقة النووية الذي قطع أشواطًا متقدمة بالتعاون مع دولتي الصين وروسيا في أواخر 2018، باعتباره خيارًا استراتيجيًا يعزز أمن الطاقة. إدراك هذه التحديات واتخاذ قرارات جريئة لمواجهتها هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار المطلوب لهذا القطاع الحيوي والمهم.
دمتم بخير وعافية.
الخميس 13 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com
شارك هذا الموضوع :