خيارات عديدة لإعادة تأهيل مطار الخرطوم الدولي…. تفاصيل

خيارات عديدة لإعادة تأهيل مطار الخرطوم الدولي…. تفاصيل
الإعلانات

خيارات عديدة لإعادة تأهيل مطار الخرطوم الدولي…. تفاصيل

متابعات – السلطة نت

بعد الدمار الذي لحق بـ”مطار الخرطوم الدولي نتيجة الحرب، أصبح من الضروري التفكير بجدية في مستقبل البنية التحتية للطيران المدني في السودان. المطار، الذي كان يشكل شرياناً حيوياً يربط السودان بالعالم، بات غير صالح للاستخدام في شكله الحالي، مما يستدعي دراسة عدة بدائل لإعادة بناء أو نقل المطار.

 

ومن بين المقترحات المطروحة، تبرز ثلاثة خيارات رئيسية:

(1) صيانة المطار القديم وإعادة تأهيله:

 

يُعد هذا الخيار الأقرب من حيث التكلفة الزمنية والمالية، إذ يعتمد على إعادة تأهيل المرافق المتضررة في موقع المطار الحالي وسط العاصمة. ورغم أن هذا الخيار قد يكون الأسرع من حيث التنفيذ، إلا أنه يواجه عدة تحديات:

 

 

 

 

 

 

 

الموقع الجغرافي في قلب العاصمة لم يعد ملائماً بسبب التوسع العمراني والازدحام المروري.

محدودية المساحة المتاحة للتوسع المستقبلي أو تطوير البنية التحتية بشكل يتماشى مع المعايير الدولية الحديثة.

المخاوف الأمنية المتزايدة نظراً لقرب المطار من مناطق التوتر السياسي والعسكري.

 

 

 

 

(2) نقل مطار وادي سيدنا الحربي وبناء مطار دولي في موقعه:

 

هذا الخيار يطرح استخدام موقع قاعدة وادي سيدنا العسكرية، الواقعة شمال أم درمان، لبناء مطار دولي جديد بعد نقل القاعدة الحربية إلى موقع آخر. يتميز هذا الموقع بعدة إيجابيات:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

موقع استراتيجي قريب من العاصمة ولكن خارج الكتل السكنية المكتظة.

توفر مساحة واسعة تتيح بناء مطار بمعايير دولية حديثة مع إمكانية التوسع المستقبلي.

تقليل التداخل بين المجالين المدني والعسكري.

ومع ذلك، فإن هذا الخيار يتطلب تنسيقاً عالياً بين الجهات العسكرية والمدنية، إضافة إلى تكلفة مالية كبيرة مرتبطة بنقل القاعدة الحربية وبناء بنية تحتية متكاملة.

 

 

 

 

 

 

 

(3) تنفيذ مشروع مطار الخرطوم الجديد بأم درمان:

 

الخيار الثالث يتمثل في إحياء مشروع مطار الخرطوم الجديد الواقع غرب أم درمان، والذي كان قد وُضع حجر أساسه في السنوات الماضية لكنه تعثر لأسباب مالية وسياسية. يتميز هذا الخيار بالآتي:

 

تصميم حديث جاهز يتوافق مع المعايير الدولية للطيران.

موقع بعيد نسبياً عن قلب العاصمة، ما يوفر مساحة كافية للتوسع المستقبلي وبنية تحتية مرنة.

إمكانية جذب استثمارات أجنبية وشراكات دولية لتنفيذ المشروع ضمن رؤية تنموية شاملة.

 

 

 

 

 

 

إلا أن هذا الخيار لا يخلو من تحديات، أبرزها ما يتعلق بالحركة الجوية.

 

فاستمرار وجود قاعدة وادي سيدنا العسكرية في موقعها الحالي شمال أم درمان، على مقربة من موقع المشروع الجديد، قد يُحدث تضارباً وإشكالات في المسارات الجوية للطائرات، سواء المدنية أو العسكرية. هذا القرب قد يؤدي إلى:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تداخل في مسارات الإقلاع والهبوط.

صعوبات في تنسيق حركة الطيران بين المجالين المدني والعسكري.

الحاجة إلى بنية مراقبة جوية عالية الكفاءة لضمان السلامة.

بالتالي، فإن تنفيذ مشروع مطار أم درمان الجديد يتطلب إما تنسيقاً دقيقاً على أعلى المستويات مع القوات المسلحة، أو إعادة النظر في توزيع البنية الجوية في العاصمة الكبرى بشكل عام، لضمان عدم تكرار الأزمات التشغيلية في المستقبل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تحدي الحركة الجوية وتداخل المجالين المدني والعسكري: تجارب مقارنة:-

 

 

الإشكالية المرتبطة بقرب مطار أم درمان المقترح من قاعدة وادي سيدنا ليست فريدة من نوعها، فقد واجهت دول أخرى تحديات مشابهة عند تخطيط مطارات جديدة أو توسيع القائمة منها.

 

من أبرز الأمثلة:

 

تركيا (مطار إسطنبول الجديد ومطار أتاتورك السابق):

عند إنشاء مطار إسطنبول الجديد شمال المدينة، واجهت السلطات تحديات متعلقة بالمجال الجوي بسبب قربه النسبي من قاعدة جوية عسكرية ومدنية مشتركة. الحل كان في إعادة توزيع المهام بين المطارات، وإغلاق مطار أتاتورك أمام الرحلات التجارية، مما ساعد في تقليل التداخل وضمان سلامة الطيران.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مصر (مطار القاهرة الدولي والمطارات العسكرية المحيطة):

على الرغم من أن مطار القاهرة محاط بعدة منشآت عسكرية، إلا أن هناك تنسيقاً صارماً بين القوات المسلحة وهيئة الطيران المدني، ويتم استخدام مسارات جوية مخصصة تفصل بين الطيران المدني والعسكري لضمان انسيابية العمليات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الهند (نيودلهي – مطار إنديرا غاندي الدولي):

يشترك هذا المطار في بعض مرافقه مع قاعدة جوية عسكرية، وهو ما تطلب بنية تحتية متطورة لمراقبة الطيران، وأنظمة تنسيق متقدمة للتحكم في ترددات الإقلاع والهبوط دون تضارب.

 

 

 

 

 

 

 

 

الخلاصة: التنسيق أو الفصل؟

 

ما تشير إليه هذه التجارب هو أن قرب المنشآت الجوية المدنية والعسكرية يمكن أن يكون قابلاً للإدارة إذا توفرت البنية التحتية التقنية والتنظيمية المتطورة، لكنه في الغالب يفرض تحديات تتطلب حلولاً مكلفة ومعقدة. في حالة السودان، ومع محدودية الموارد حالياً، قد يكون من الأنسب إعادة النظر إما في موقع المطار الجديد أو نقل قاعدة وادي سيدنا، لتفادي صدام محتمل بين السلامة الجوية ومتطلبات الأمن.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إشكالية تداخل المجالين المدني والعسكري في مشروع مطار أم درمان؛ رؤية تحليلية مقارنة:-

 

 

أحد أبرز التحديات التي تعترض خيار إحياء مشروع مطار الخرطوم الدولي الجديد غرب أم درمان يتمثل في قربه الجغرافي من قاعدة وادي سيدنا الجوية، التي لا تزال تعمل كمرفق عسكري استراتيجي. (راجع الرسم المرفق).

 

 

 

 

 

 

 

هذا القرب يثير تساؤلات جوهرية حول سلامة المجال الجوي وتنسيق حركة الطيران، وهو ما يستدعي دراسة أبعاد هذه الإشكالية من زاويتين: فنية وتشغيلية، مع الاستفادة من تجارب دولية مشابهة.

 

 

 

 

 

 

 

أولاً: البعد الفني – تداخل المسارات الجوية:

 

المجال الجوي لأي مطار حديث يتطلب حيزاً واسعاً من المسارات المخصصة للإقلاع والهبوط، إضافة إلى مناطق احتياطية للطوارئ، وهي ما تُعرف بـ”مناطق الأمان الجوية” (Air Safety Zones). عند وجود منشأتين جويتين على مسافة جغرافية قريبة – كمطار مدني وقاعدة عسكرية – فإن احتمال تداخل هذه المسارات

 

 

 

 

 

يزداد، ما يفرض تحديات تشغيلية تتطلب:

 

تنسيقاً دقيقاً ومستداماً بين برجَي المراقبة الجوية.

نظم رقابة متقدمة لتفادي تقاطع مسارات الرحلات.

تحديد أوقات محددة لتشغيل الطيران العسكري والمدني إن أمكن، وهو ما قد يؤثر على المرونة التشغيلية للطرفين.

 

 

 

 

ثانياً: البعد التشغيلي – الأولوية والسيادة على المجال الجوي:

 

في معظم الدول، تكون للمنشآت العسكرية أولوية سيادية في التحكم بالمجال الجوي لأغراض الأمن القومي. وجود مطار مدني ملاصق لقاعدة عسكرية قد يعرّض الرحلات المدنية إلى تأخير أو قيود تشغيلية، خصوصاً في حالات الطوارئ أو التدريبات العسكرية، وهو ما يقلل من جاذبية المطار لشركات الطيران الدولية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دراسات حالة مقارنة:-

 

1. تركيا: مطار إسطنبول الجديد – دروس من استبدال وليس تكديس

 

قامت تركيا ببناء مطار إسطنبول الجديد على بعد أكثر من 40 كيلومتراً من المدينة القديمة، بعد أن ثبت عدم جدوى الاستمرار في تشغيل مطار أتاتورك الذي كان قريبا من منشآت عسكرية.

 

تم اتخاذ قرار استراتيجي بإغلاق المطار القديم أمام الرحلات التجارية، وفصل المجال الجوي المدني تماماً عن النشاط العسكري. هذا سمح بإنشاء مجال جوي نظيف وواسع النطاق يخدم الحركة الجوية المدنية دون تداخل.

 

 

 

 

 

 

 

2. مصر: تنسيق عالي المستوى وليس تغيير المواقع

 

في حالة مصر، ورغم وجود عدد من المطارات العسكرية قرب مطار القاهرة الدولي، فإن التنسيق بين القوات المسلحة وهيئة الطيران المدني يتم وفق منظومة رقابة مشتركة، تستند إلى تقنيات حديثة في إدارة الحركة الجوية. لكن يُلاحظ أن هذا النموذج يتطلب استثمارات ضخمة في أنظمة التحكم والكوادر المتخصصة، وهو ما قد لا يتوفر للسودان حالياً.

 

 

 

 

 

 

 

3. الهند : تكامل مشروط

 

مطار إنديزا غاندي في نيودلهي يجاور قاعدة عسكرية، ويُعد من الأمثلة النادرة على نجاح إدارة المجال الجوي المشترك. ومع ذلك، فرضت الهند قيوداً صارمة، منها حدود زمنية للطيران الحربي، وممرات محددة بدقة، ما يجعل التكامل ممكناً لكنه لا يخلو من التعقيد، ولا يُنصح به إلا في ظل بيئة مستقرة تقنياً ومؤسسياً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاستنتاجات والتوصيات:-

 

من الناحية الفنية، إنشاء مطار دولي حديث يتطلب مجالاً جوياً مستقلاً وآمناً، وهو ما قد يتعذر تحقيقه في ظل استمرار نشاط قاعدة وادي سيدنا في موقعها الحالي.

من الناحية التشغيلية، وجود قاعدة عسكرية نشطة قرب المطار يضعف من قدرة المطار المدني على استقطاب شركات الطيران العالمية، بسبب ارتفاع المخاطر والتكاليف التشغيلية.

 

 

 

 

 

 

بناءً على التجارب الدولية، فإن أنجح النماذج كانت إما بفصل كامل بين المنشآت المدنية والعسكرية (كما في تركيا)، أو بإنشاء منظومات رقابة متقدمة تضمن التنسيق السلس (كما في مصر والهند). في حالة السودان، وفي ظل الظروف الراهنة من إعادة البناء والموارد المحدودة، فإن الخيار الأكثر أماناً واستدامة هو إما نقل القاعدة العسكرية إلى موقع آخر، أو البحث عن موقع بديل للمطار الجديد يضمن له استقلالاً جوياً

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة: نحو قرار استراتيجي يخدم المستقبل:-

 

– جميع الخيارات المطروحة تملك مزايا وتحديات، ويكمن التحدي الحقيقي في اتخاذ القرار الاستراتيجي المناسب الذي يوازن بين الجدوى الاقتصادية، والأمن الوطني، ومطالب التنمية المستقبلية.

 

 

 

 

 

 

 

– إعادة بناء مطار دولي حديث وفعّال سيكون بمثابة رمز لنهضة السودان بعد الحرب، ومفتاحاً لعودة الحركة التجارية والسياحية والانفتاح.

 

 

 

 

 

كابتن طيار صديق عبد الجبار محمد طه (أبوفواز)- مدير إدارة العمليات والسلامة الجوية بشركة صن إير للطيران.

 

 

 

شارك هذا الموضوع :

Verified by MonsterInsights