صراع المصالح في دولة بلا مشروع

صراع المصالح في دولة بلا مشروع
متابعة-السلطة نت
كتب : لؤي الفكي
تشهد بلادنا لحظة حرجة من تاريخها، تتسارع فيها وتيرة التصدع داخل القوى المسلحة، في مشهد لا يمكن عزله عن الجذور العميقة لأزمة الدولة السودانية. فالمشكلة ليست وليدة الأمس، بل هي نتاج عقود من التراكم، حيث تشكلت مؤسسات الدولة – وعلى رأسها الجيش – على أسس هشّة تخدم مصالح قلة من المنتفعين، لا مصلحة الوطن بأكمله.
منذ الاستقلال، لم تنجح الدولة في بناء جيش وطني حقيقي، بل ورثت مؤسسة عسكرية صممها الاستعمار لحماية نفوذه، وتحولت تدريجياً إلى أداة بيد نخب تجارية، وطبقات مهيمنة، وتحالفات قبلية ودينية، هدفها الأول السيطرة على السلطة والثروة، لا الدفاع عن الوطن أو بناء مستقبله.
ما نراه اليوم من صراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ليس سوى انعكاس لهذا التشوّه التاريخي، فكلا الطرفين يمثل مشروعاً منفصلاً لمراكمة النفوذ، وتوسيع رقعة المصالح، بعيداً عن أي التزام وطني جامع.
قوات الدعم السريع، على وجه الخصوص، نشأت كقوة موازية للجيش النظامي، بنيت على صفقات التمويل الخارجي، وروابط اقتصادية تتشابك مع المصالح الإقليمية، حتى غدت أقرب إلى شبكة مصالح مسلحة منها إلى جيش تقليدي.
الانقسامات المتوقعة داخل مجموعة البرهان أو داخل الدعم السريع نفسها ليست مجرد تصدعات في القيادات، بل تجليات لصراع داخلي بين كتل اقتصادية ونخب جهوية، تتصارع على ما تبقى من سلطة الدولة.
هذه الكتل، التي لم تعد قادرة على التعايش في كيان واحد، بدأت تنكمش على ذاتها، وتعيد إنتاج المواجهة بصورة أكثر خطورة: لا جيش في مواجهة مليشيا، بل مليشيات داخل الجيش، وأجنحة متنازعة داخل المليشيا.
أما ما يُعرف بالقوات المشتركة، فقد وُلدت من رحم الهشاشة نفسها، وظلت عاجزة عن تجاوز الانقسامات، لأنها لم تُبنَ على مشروع وطني حقيقي، بل على توافقات ظرفية ومصالح مؤقتة. في غياب رؤية سياسية ناضجة، تحوّلت محاولات التوحيد إلى واجهات هشة سرعان ما تتصدع تحت أول اختبار.
إن ما يجري اليوم ليس إلا ذروة أزمة بدأت منذ زمن طويل، أزمة دولة سقط فيها مفهوم الوطن تحت أقدام المصالح، واستُخدم فيها السلاح كوسيلة للحكم والتفاوض، لا كأداة لحماية الناس. وبينما تتقاتل النخب على موائد الغنيمة، تدفع جماهير شعبنا الكادحة الثمن كاملاً: تشريداً، جوعاً، خوفاً، وتمزيقاً للبيوت والعائلات والمدن.
لا مخرج من هذا النفق المظلم إلا بتفكيك جذور الأزمة، ومساءلة من تسببوا فيها، وبناء مشروع وطني جديد لا يعيد تدوير النخب، بل يضع مصلحة الجماهير الكادحة فوق كل اعتبار، ويعيد تعريف الدولة على أسس من العدالة والمشاركة والكرامة الإنسانية.
#الفيديو : صدق الكوز وهو كذوب..
شارك هذا الموضوع :