إتفاقية كيب تاون – رافعة لإعادة بناء قطاع الطيران السوداني

إتفاقية كيب تاون – رافعة لإعادة بناء قطاع الطيران السوداني
الإعلانات

إتفاقية كيب تاون – رافعة لإعادة بناء قطاع الطيران السوداني

السلطة نت – سامي الأمين

في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها السودان نتيجة الحرب والتي تسببت في تدمير اساطيل شركات الطيران السودانية وتراجع قدراتها التشغيلية والتمويلية، تبرز الحاجة الملحة إلى أدوات قانونية دولية تعيد الثقة وتؤسس لنهضة مؤسسية ممنهجة، قوامها الانفتاح، والتناغم مع المنظومة العالمية للاستحواذ علي الطائرات وتمويلها، وحماية المصالح الوطنية في آنٍ واحد.

 

ومن بين ابرز هذه الأدوات، تبرز اتفاقية كيب تاون للمعدات المنقولة لعام 2001، وبروتوكول الطائرات المرفق بها كخيار استراتيجي لا غنى عنه في مشروع إعادة إعمار قطاع الطيران السوداني بعد تدمير معظم اساطيل الشركات السودانيه كما ذكرنا وخروج الكثير من الشركات من سوق النقل الجوي

 

 فوائد الاتفاقية للسودان بعد الحرب

1. تأهيل السودان كبيئة جاذبة للتمويل الدولي في مجال الاستحواذ علي الطائرات

الاتفاقية تُنشئ نظام ضمان دولي موحد للمعدات المنقولة عالية القيمة، وعلى رأسها الطائرات، ما يقلّص من المخاطر القانونية والتشريعية على البنوك وبيوت التمويل وشركات التأجير وتحميها من الافلاس .

في الحالة السودانية، حيث تراجعت الثقة في البيئة التشغيلية بعد الحرب، فإن المصادقة على الاتفاقية تُشكل علامة نهوض سيادي وإصلاح مؤسسي، تجعل السودان دولة “ذان نظام قانوني يحمي التمكين التمويلي” وجاذبة للدخول في سوق التأجير التشغيلي والتمويلي للطائرات.

 

2. تخفيض تكلفة التأمين والتمويل بتفعيل المادة 13 الخاصة بـ”الاسترداد السريع” و”الحماية الوقتية”، تدخل الدولة ضمن “نظام المكافأة الائتمانية” الذي اعتمدته مؤسسات كبرى مثل Export-Import Bank of the United States وAFREXIM، مما يقلل الفائدة على التمويل ويخفض متطلبات الضمانات.

والنتيجة المباشرة لذلك فان شركات الطيران السودانية الجديدة أو المعاد هيكلتها ستتمكن من استئجار أو شراء طائرات بأسعار تمويل منخفضة تنافس الدول المجاورة.

 

3. تمكين الشركات الوطنية من تجديد الأسطول خاصة مع فقدان السودان لعدد كبير من الطائرات (سواء بالتدمير أو الخروج من الخدمة )، فإن الاتفاقية توفّر الإطار القانوني الآمن لشركات الطيران الناشئة أو المتجددة للحصول على طائرات من السوق العالمية من خلال اتفاقيات تمويل طويلة الأجل، مدعومة بضمانات قابلة للتنفيذ دوليًا.

 

4. تعزيز الشفافية القانونية والاستثمارية

إن الانضمام إلى منظومة كيب تاون يُرسل إشارة قانونية وسياسية واضحة للمجتمع الدولي ان السودان يسعى للتناغم مع القواعد الدولية للتمويل والتجارة والضمانات، وهذا يُسهم في إعادة بناء الثقة بعد سنوات من الانغلاق والتشظي المؤسسي.

علي الصعيد الشخصي و من منطلق إيماني الراسخ بالضرورة القصوي للمصادقة علي الاتفاقيه ومنذ العام 2016 بذلت برعاية الاخ الكريم ازهري عبد المجيد مدير دائرة النقل الجوي رحمه الله جهودًا متعددة لدفع الاجراءات نحو بدء اجراءات المصادقة والانضمام للاتفاقية، وتمثلت في إعداد مذكرة تفسيرية قانونية مفصلة قدمتها للادارة العليا وتم تقديمها لوزارة العدل السودانية.

أوضحت فيها مزايا الانضمام، مقارنة بدول أخرى في المحيط العربي والإفريقي، وربطت ذلك بأثره الإيجابي المباشر على شركات الطيران الوطنية ولاحقا تم التنسيق مع ادارة الاتفاقيات بوزارة العدل لاقتراح تحفظات على بعض مواد الاتفاقية، لا سيّما المادة (54) بشأن “الاسترداد السريع”، لضمان ألا تُستخدم ضد مصالح شركات الطيران السودانية في حالات التعثر المؤقت أو الظروف السيادية الطارئة و استعنا فيها بحكم انني نقطة الاتصال المعين من السودان ببعض الجهات الدولية الرسمية كالمعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (UNIDROIT)، وهو منظمة حكومية دولية مستقلة يقع مقرها في روما، تُعنى بتطوير وتوحيد القوانين الخاصة بين الدول، وخصوصًا في مجالات العقود والتجارة والتمويل ويتولى المعهد إدارة وتحديث اتفاقية كيب تاون، ويُشكل المرجعية القانونية الأهم في هذا السياق حيث تم مدنا بالدراسات المفصله عن الاتفاقيه اضف الي ذلك شاركنا برفقة الكابتن احمد ساتي باجوري المدير العام الاسبق في بعض مؤتمرات مجموعة AWG (Aviation Working Group)، وهي هيئة دولية غير حكومية تضم كبار المصنعين، وشركات التأجير، والممولين، وتعمل كمجموعة ضغط وخبرة فنية متخصصة في تفعيل اتفاقية كيب تاون عالميًا وقد أُنشئت المجموعة بمبادرة من شركتي إيرباص وبوينغ، وتضطلع بإعداد دراسات معيارية وتحليلات قانونية تُمكّن الدول من الاستفادة القصوى من الاتفاقية مما ساعدنا في تقييم تأثير الاتفاقية على بيئة الطيران في السودان وتم تنويرنا بشروحات حول مفاهيم ال XBT كما كانت هنالك جهود اخري ضمن مجموعة العمل التابعة للهيئة العربية لاتفاقية كيب تاون.

 

حيث تم شرح عمل اليه التمويل عبر البنوك ومساعدتها لشركات الطيران علي الاستحواذ علي الطائرات عبر امثله واقعيه ( الاماراتية، القطرية ) وتمخضت تلك الجهود في اصدار شهادة المصادقة للاتفاقيه وتبقي ان تمضي الدراسه للبرتكول وليكملا سويا المطلوب ويتم ايداعها لدي القطاع الاقتصادي ومن ثم للبرلمان للمصادقه وتكمل بعدها السلطة الايداع بالتعاون مع وزارة الخارجيه.

رغم أهمية الانضمام للاتفاقية، إلا أن الممارسة المقارنة توضح أن دولًا عدة – خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية – انضمت للاتفاقية مع إبداء تحفظات مدروسة لضمان التوازن بين حقوق الدائنين وسيادة الدولة.

وفي السياق السوداني، يمكن التفكير في التحفظ على المادة 54 (2) للسماح باستثناء الاسترداد السريع في حالات الطوارئ الوطنية أو النزاعات المسلحة، لضمان عدم إفراغ شركات الطيران من امكانياتها التشغيلية.

 

بالاضافة الي تحفظات إجرائية على صلاحيات القضاء الوطني لتأكيد أن التنفيذ سيكون عبر المحاكم السودانية وفق قوانين الإجراءات الوطنية، وليس فقط وفق نظام السجل الدولي اضافة الي الاشتراط على ان تسجيل المصالح الدولية يجب ان يتم باللغة العربية بالتوازي مع الإنجليزية حفاظًا على مرجعية الوثائق وختاما إدخال اشتراطات تتعلق بمبدأ المعاملة بالمثل لضمان حماية شركات الطيران السودانية عند تعاملها مع جهات أجنبية في الدول غير المصادقة.

 

الدول المجاورة لنا افريقيا وعربيا استفادت بصورة كبيرة من المصادقة علي الاتفاقية مثل إثيوبيا ورغم أنها دولة غير ساحلية، نجحت عبر التصديق على الاتفاقية في جذب تمويلات ضخمة لصالح شركة الخطوط الإثيوبية، مما مكنها من تحديث أسطولها بأحدث طائرات بوينغ وإيرباص وايضا رواندا تمكنت من تعزيز مشروع RwandAir بدعم من شركاء دوليين في ظل اقتصاد محدود اما نيجيريا والسنغال وغانا فقد احرزوا تطورًا ملموسًا في قطاع الإيجار التشغيلي بفضل ثقة شركات التأجير العالمية بعد المصادقة على البروتوكول اما عربيا فان المغرب والأردن طبقت الاتفاقية بمرونة، ونجحت في تعزيز أساطيلها الجوية وجذب شركات التأجير الكبرى دون التضحية بسيادتها القانونية.

ختاما اعتقد ومن واقع تجربتي وقد عملت لاكثر من عشرين عاما بقطاع الطيران المدني اؤمن بأن من اهم العوائق التي واجهت اكمال المصادقة الذي بداناه بالعام 2016 تتمثل في ان المواقع الادارية بالجهات الحكومية تخضع بصورة اساسيه للدرجات الوظيفيه لا الكفاءة ولا التخصص ممايؤثر في التعامل مع هكذا ملفات بالغة التعقيد مما يستوجب النظر الي الامر بشفافيه عالية ونقد ذاتي يؤسس الي حركة اصلاح تؤدي في النهاية الي الاستفادة من الموارد البشريه بما يدفع بجهود الدولة لتوفير اطار قانوني يساعد شركات الطيران الوطنية في ايجاد مصادر تمويل بتكلفة يسيرة تمكنها من المنافسه بالجوار الاقليمي وإن السودان في مقبل الايام وهو على عتبة إعادة البناء، لا يمكنه الاستمرار في العزلة القانونية عن بيئة التمويل الدولية لذا فإن المضي قدما المصادقة على اتفاقية كيب تاون وبروتوكول الطائرات الملحق بها لا تُعدّ ترفًا قانونيًا، بل ضرورة سيادية واستثمارية، وخطوة محورية لإعادة الحياة لشركات الطيران السودانية وارساءا هذه الرؤية، أوجّه نداءً لكل الجهات ذات الصلة علي العمل بتكامل وطني ومهني و الإسراع بالمصادقة على الاتفاقية، وصياغة التحفظات التي تحفظ سيادتنا عبر خبراءنا الوطنيين ليتم إنشاء إطار قانوني وتشغيلي يستفيد من أفضل الممارسات العالمية،ويعود السودان بشركاته الوطنيه المدعومة من مؤسساتها الواعيه بدورها فاعلا ومؤثرا كما ينبغي له ان يكون

 

سامي محمد الامين

 

 

شارك هذا الموضوع :

Verified by MonsterInsights