أفريقيا خالية من الملاريا
أفريقيا خالية من الملاريا
متابعات- السلطة نت
نشر الدكتور جان كاسيا، المدير العام لمراكز أفريقيا لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يوم 25 مايو 2025، مقالة مهمة دعا فيها إلى خطة شاملة للقضاء على الملاريا في أفريقيا، مؤكدًا أن القضاء على هذا المرض القاتل لم يعد حلمًا مستحيلًا، بل هدفًا واقعيًا إذا توافرت الإرادة السياسية والاستثمارات المناسبة.
رغم أن الملاريا مرض يمكن الوقاية منه وعلاجه، فإنه لا يزال يحصد أرواحًا كثيرة في أفريقيا. ففي عام 2023 وحده، سجلت القارة 95% من إجمالي الوفيات العالمية بالملاريا والبالغة 597 ألف حالة، وكان 76% من الضحايا أطفالًا دون سن الخامسة. هذا الواقع المأساوي يعيق بشدة جهود التنمية ويقوض رؤية الاتحاد الأفريقي “أجندة 2063”.
إلا أن الأمل موجود. فقد نجحت تسع دول أفريقية — الجزائر، الرأس الأخضر، مصر، ليسوتو، ليبيا، موريشيوس، المغرب، السيشل، وتونس — في القضاء على المرض تمامًا. ويعود الفضل في ذلك إلى التزام سياسي طويل الأمد، واستثمارات ذكية في الرعاية الصحية الأولية، والمراقبة الوبائية، وإدارة الحالات.
استعرض كاسيا بعض النماذج الملهمة؛ فالجزائر مثلًا استخدمت الرش الداخلي للمبيدات على نطاق واسع، ووفرت التشخيص والعلاج المجاني، وفعّلت آليات سريعة للاستجابة لتفشي المرض. أما الرأس الأخضر، فاعتمدت خطة متعددة القطاعات بالتعاون مع المجتمعات المحلية والمنظمات الدولية. وفي مصر، شكّلت برامج تدريب العاملين الصحيين حجر الأساس لنهج متكامل في القضاء على الملاريا.
وأسهمت جهود القارة مجتمعة في تقليص عدد الوفيات من 805 آلاف حالة عام 2000 إلى 569 ألفًا في 2023، وذلك بفضل استخدام الناموسيات المعالجة، والرش الداخلي، والوقاية الموسمية للأطفال. ومع ذلك، فإن هذه المكاسب لا تزال هشة بسبب تحديات متزايدة كتحورات البعوض، ومقاومة المبيدات، وتغير المناخ، وتكرار الأزمات الإنسانية، والأهم من ذلك، فجوة التمويل العالمية.
في عام 2023، تم جمع 4 مليارات دولار فقط لمكافحة الملاريا، وهو رقم يقل كثيرًا عن الهدف السنوي البالغ 8.3 مليار دولار، بل ويقل حتى عن تمويل عام 2022. وتتفاقم الأزمة في أفريقيا التي شهدت انخفاضًا بنسبة 70% في المساعدات الصحية الخارجية خلال الفترة من 2021 إلى 2025. كما أن معظم البلدان الأفريقية لا تخصص أكثر من 10% من ميزانياتها للقطاع الصحي، أي أقل من الهدف المحدد في “إعلان أبوجا” لعام 2001.
أمام هذا الواقع، دعا كاسيا الحكومات الأفريقية إلى اعتبار الملاريا أولوية تنموية، وتعبئة الموارد المحلية بشكل مبتكر، مشيرًا إلى أن تحويل جزء من تحويلات الجاليات الأفريقية، التي تتجاوز 95 مليار دولار سنويًا، إلى “سندات المغتربين” قد يوفر تمويلًا مستدامًا. كما اقترح فرض ضرائب تضامنية على السجائر والمعاملات الرقمية وتذاكر الطيران لتوليد عائدات إضافية. وإلى جانب ذلك، فإن توسيع نطاق التأمين الصحي الوطني يمثل خطوة حاسمة في ضمان وصول الجميع إلى خدمات الوقاية والتشخيص والعلاج.
وأشار أيضًا إلى أهمية التمويل المختلط لجذب رؤوس الأموال الخاصة للبحث العلمي والتصنيع المحلي للأدوية. ومع توقع وصول سوق الرعاية الصحية في أفريقيا إلى 259 مليار دولار بحلول عام 2030، فإن الفرصة سانحة لبناء شراكات ناجحة بين القطاعين العام والخاص، وتحسين التوزيع، وتعزيز المراقبة ومكافحة نواقل المرض.
وأكد كاسيا أن الاستثمار في القضاء على الملاريا ليس فقط واجبًا صحيًا واقتصاديًا، بل هو أيضًا مسألة عدالة، إذ يتركز تأثير المرض على الفئات الأشد فقرًا، ويعيد إنتاج الفقر وعدم المساواة. فكل دولار يُستثمر في مكافحة الملاريا يعود بـ36 دولارًا في شكل نمو اقتصادي.
واختتم كاسيا مقاله بالإشارة إلى مشاركته العام الماضي في إعلان مشترك مع وزراء الصحة من 11 دولة أفريقية ذات عبء مرتفع للملاريا، تعهدوا فيه بتسريع الجهود لمكافحة المرض. وأكد أن مراكز أفريقيا لمكافحة الأمراض على أتم الاستعداد لوضع استراتيجية قارية للقضاء على الملاريا بحلول عام 2040. وقال: “إذا أحسنا الاستثمار، وطبقنا السياسات الصحيحة، وعززنا التعاون، فإننا سنرى قارة أفريقية خالية من الملاريا في جيلنا”.
ترجمة – محمد أحمد
شارك هذا الموضوع :