عام على حرب السودان: لماذا فشلت كل محاولات الحل حتى الآن؟

عام على حرب السودان: لماذا فشلت كل محاولات الحل حتى الآن؟

رصد _ السلطة

عام على حرب السودان: لماذا فشلت كل محاولات الحل حتى الآن؟

تدخل الحرب في السودان عامها الثاني وسط نزوح الملايين مع تحذيرات دولية من مجاعة هائلة في دولة دمرت بنيتها التحتية بشكل شبه كامل. يأتي هذا في ظل أدوار مثيرة للجدل لدول إقليمية ما يتسبب بإطالة الحرب وتراجع الأمل في السلام.

_يرى خبراء أن الأزمة في السودان أعمق من اقتتال طرفين مسلحين على السلطة.

مر عام على اندلاع الحرب الأهلية في السودان، تاركةً وراءها دمارًا هائلاً ومعاناة إنسانية لا تُطاق. ورغم الجهود الدولية الحثيثة، لا تزال بوادر الوصول إلى حل بعيدة المنال في ظل اشتداد حدة الصراع مع مرور الوقت.

_ما السبب الحقيقي للصراع؟

قد يرى البعض أن سبب الأزمة هو التنافس بين الرجلين القويين في السودان، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، او حاكم الأمر الواقع كما يطلق عليه، وبين محمود حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع.

ويرى آخرون أن السبب هو تواضع وترفع الكفاءات السودانية عن المنافسة لاستلام زمام أمور السودان وتولي قيادته.

لكن عثمان ميرغني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني يرى أن الأمر أعمق من ذلك بكثير. يقول ميرغني إن الخلاف بدأ بين القوى السياسية المدنية والتي انقسمت على نفسها بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2021 في أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير وعدم تمكن تلك القوى من بلورة خارطة طريق واضحة يمكن من خلالها لاحقاً أن تستعيد الحكم المدني الانتقالي.

ويضيف ميرغني في حوار مع DW عربية أن ذلك أدى في النهاية إلى توقيع اتفاق أطلق عليه الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2022.

بيد أنّ التوقيع على الاتفاق الإطاري أدى، برأي ميرغني، إلى استقطاب جديد “لأن القوى التي وقعت عليه اعتبرت أنها فقط هي المعنية بالفترة الانتقالية، وأن القوى الأخرى يجب أن تكون خارج الحكم”.

ويرى خبراء ومحللون سودانيون آخرون أنه كان من الممكن إدارة هذا الصراع السياسي بين القوى المدنية حتى الوصول إلى اتفاق، لكن لجوءها إلى الاستعانة بالقوى العسكرية أدى في النهاية إلى أن تنشأ عملية استقطاب جديدة بين الأطراف العسكرية ذاتها أدت في النهاية إلى الوصول لمرحلة الحرب.

_القوى الخارجية والحرب بالوكالة :

لا يمكن تجاهل دور القوى الخارجية في تأجيج الصراع داخل السودان، إذ لم يعد خافياً على أحد أن دولاً بعينها تدعم أطرافاً داخل السودان سواء على المستوى السياسي او العسكري أو اللوجستي منها دول عربية ودول غربية مما يُساهم في استمرار الحرب ويُعيق جهود السلام، ولعل آخر تجليات هذا المشهد تلك الشكوى التي قدمتها بعثة السودان في الأمم المتحدة ضد دولة الإمارات.

وتحذر تحليلات بل وحتى مصادر استخباراتية من أن الصراع في السودان قد يتحول إلى حرب بالوكالة بين دول إقليمية ودولية تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة.

في هذا السياق، تقول مارينا بيتر، مؤسسة ورئيسة منتدى السودان وجنوب السودان إن الكثير من التقارير وثقت تزويد دولة الإمارات لقوات الدعم السريع بالأسلحة عبر تشاد وليبيا فيما تقوم في الوقت نفسه بتفريغ مساعدات إنسانية في ميناء بورسودان، “فالعديد من الدول تلعب لعبة مزدوجة .. هم مشغولون من جهة بدعم أحد طرفي الحرب، وفي الوقت نفسه يقولون إنهم يقدمون مساعدات إنسانية لا تصل إلى أغلب الناس”.

وتضيف مارينا بيتر في حوار مع DW عربية أن هناك عدة دول تشارك في المشهد السوداني الحالي منها مصر، مشيرة إلى أن “القاهرة دائما ما كانت تفضل نموذجا مشابها في السودان بمعني أن يتولى الحكم عسكريون مع واجهة مدنية لكن القاهرة بذلك تدخل في خيار صعب حيث أن الإمارات أحد أكبر داعميها اقتصادياً تدعم قوات الدعم السريع كما أن مصر تخشى من أنه مع استمرار الصراع أو تولي الدعم السريع مقاليد الأمور قد ينتقل الصراع إلى أراضيها بشكل أو بآخر”.

وتقول مارينا بيتر إن “الإمارات بدورها تتبع منذ فترة طويلة سياسة التوسع الاقتصادي والجيوسياسي والاستراتيجي، وهو ما يمكن ملاحظته بالفعل في جميع أنحاء القرن الأفريقي”.

وأشارت الخبيرة في الشأن السوداني إلى أن “الإمارات لاعب مهم للغاية أيضا في مشهد تسويق الذهب السوداني الذي تضع قوات الدعم السريع يدها على أغلب مناجمه وتوفر منه احتياجاتها للاستمرار في الحرب”.

وربما العامل الأهم هو أن “الطرف الآخر يُشار إليه على أنه يحوي عناصر إسلامية من النظام السابق وهو ما تكن الإمارات له عداء شديداً للغاية وبالتأكيد هي تريد منع الإسلاميين في السودان من العودة إلى السلطة بأي شكل”.

وتضيف مارينا بيتر أنّ “القادم الجديد إلى المشهد الآن، وهذا أمر مهم، هو إيران. كما كان الجيش السوداني يبحث عن حلفاء جدد، بما في ذلك الجزائر، لأنّ الأخيرة تشغل مقعدًا في مجلس الأمن كدولة أفريقية. أما بالنسبة لإيران فهي تزود القوات المسلحة السودانية حاليا بطائرات مسيرة.”

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عثمان ميرغني أن مصر تقف على مسافة واحدة من طرفي النزاع بل واستقبلت سابقاً البرهان عدة مرات كما استقبلت ممثلين عن الدعم السريع اجتمعوا في القاهرة مع أطراف أخرى برعاية فرنسية لبحث القضايا الإنسانية.

وأشار ميرغني إلى أن “السعودية وبعض الدول الأخرى تحاول أن تكون في موقف يسمح لها بالوساطة بين الأطراف جميعا، وهذا يتطلب نوعا من التواصل مع جميع الأطراف”، لكن الأمر صعب خاصة مع تصلب المواقف لدى الطرفين”.