إبراء ذمة….
الإعلانات

إبراء ذمة….

متابعات- السلطة نت

غيّب الموت مساء الأربعاء الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، الفريق طيار الفاتح عروة، ضابط الاستخبارات المعروف في السودان وفي عموم منطقة القرن الأفريقي.

ومع أنني في الحقيقة لست شغوفاً بالتعليق أو بعبارة أدق التعريض بسير الراحلين، إلا أن الأمانة تقتضي – كما تثبت صورة البوست المرفقة – أن أكتب ما يشبه إبراء الذمة للمتابعين بخصوص الفاتح عروة.

 

أشير هنا بشكل خاص إلى أنني كنت نشرت بوستا بتاريخ 20 مايو/أيار 2024، أقول فيه: “الأحبة في الفضاء الأزرق، ستنشر لي خلال الأيام القادمة سلسلة مقالات. تحاول المقالات، استنادا على وثائق أمريكية، التعقيب على الإفادات التي أدلى بها السيد الفاتح عروة، في بودكاست”حكايات أفريقية”.

ومع الأسف لم يتيسر لي نشر المقالات، نتيجة لظروف عديدة منها ما هو موضوعي وآخر ذاتي، ربما أتحدث عنها في مناسبة أخرى، لكن السبب الأهم في تقديري يعود إلى كبر حجم المقالات، حيث بلغت بعد الاختصار نحو 30 ألف كلمة. ونتيجة لذلك، قررت -بعد استشارة الأصدقاء – أن أنشر المادة في كتيب صغير عوضاً عن نشرها متسلسلة في حلقات.

في كل الأحوال، يبقى أن الدافع وراء الكتابة عن الفاتح عروة سواء تعلق الأمر بالتعقيب على إفاداته في الحلقة أو التعليق الآن على خبر وفاته، هو الإشارة إلى تزامن الحدثين مع حرب الإبادة الجارية في غزة والتي تستهدف الوجود الفلسطيني بشكل غير مسبوق. والشاهد هنا، أنني أصبت بخيبة الأمل بعد مشاهدة الحلقة، فمع كثرة تفاصيل إفادته (استغرقت المقابلة نحو خمس ساعات) وتعدد ما يرويه، فيها من وقائع و”بطولات” في دهاليز الاستخبارات السودانية عبر الحقب المختلفة، فإن شهادته في ما يتعلق بملف ترحيل يهود الفلاشا عبر السودان، كانت -في تقديري- أكثرها إثارةً للجدل والتضليل المتعمد. بذل عروة جهداً كبيراً في المقابلة للالتفاف حول قضية الفلاشا بشتى الحيل من خلال اجتزاء وقائع وأحداث تُتيح له تقديم سردية تبرئ ساحته، حتى لو أدى ذلك في نهاية الأمر إلى الإدلاء بإفادات ناقصة وأحيانا متناقضة أو غير صحيحة تماماً.

وبعد العودة إلى الوثائق وشهادات مسؤولين تأكد لي أن الفاتح عروة كان منذ البداية طرفاً أساسياً في فريق نقل الفلاشا ولم ينضم إليه عن طريق الصدفة كما ورد في إفادته.

سأكتفي هنا، بترجمة وصف أول لقاء جمع المشرف الأمريكي على عملية نقل الفلاشا (بتاريخ 20 سبتمبر 1984) بكل من العقيدين موسى سعيد والفاتح عروة، في منزل ميلت بيردن، مسؤول وكالة المخابرات المركزية في سفارة أمريكا في الخرطوم. ولا بد أن نضيف هنا أن هذا الاجتماع قد تم بعد توجيه رئيس جهاز الأمن السوداني بتكليف كل من موسى سعيد والفاتح عروة بتولي ملف الفلاشا ومتابعة الأمور المتصلة به مع الجانب الأمريكي.

بعد ذلك الاجتماع، كتب المسؤول الأمريكي تعليقاً مثيراً للانتباه وصف فيه الضابطين السودانيين بالقول إن موسى سعيد والفاتح عروة، “يمثلان، من نواح عديدة، نمطين مختلفين للشخصية وسط المجتمع السوداني. فموسى كان فاتح البشرة وصاحب سمت هادئ ورصين. ولم يتفوه في الاجتماع إلا بالقليل، مفضلاً الجلوس والإصغاء. لكنه مع ذلك كان يمتلك عقلاً لامعاً في التكتيك، وقد أثبت براعته عند تحليل المسائل المتعلقة بالتنفيذ مثل حصر الضباط الذين يجب إشراكهم أو إبعادهم من العملية. بالنتيجة، تمكن موسى بهدوء – ولكن بشكل فعّال – من لعب دور المنسق لفريقنا.”

ثم يأتي لوصف الضابط الثاني فيقول: “كان الفاتح رياضيا، أسمر البشرة (أي داكن)، ويشبه من كان يطلق عليهم في الولايات المتحدة “الأفرو.”

 

كما أنه كان رجلا منفتحا، حاضر البديهة وصاحب طرفة وسريع الضحك. كان يقود سيارة باهظة الثمن مجهزة بجميع التحسينات الإضافية.

 

علاوة على ذلك، فقد كان الفاتح معتدا بقدراته وواثقاً من نفسه وسخياً في إسداء النصائح.

ولهذا، فقد انصرف تفكيره بسهولة على التركيز في القضايا الكبيرة في العملية مثل الحفاظ على تأمين سلامة وسريّة التحرك (عند تنفيذ الخطة.)”

 

 

شارك هذا الموضوع :

Verified by MonsterInsights