رشا عوض وكتّابة الذين في أفواههم ماء

رشا عوض وكتّابة الذين في أفواههم ماء
متابعات – السلطة نت
أمجد فريد الطيب
اقتطعت غرف تبرير الحرب، العاملة تحت إمرة الإمارات عبر وكيلها في مليشيا قوات الدعم السريع، حديثي عن فضّ الاعتصام في اللقاء مع د. عزّام يوم السبت ١٩ أبريل، وروّجت له بشكل مبتسر، في ممارسة معتادة للتدليس من هذه الدوائر. وبطبيعة الحال، تولّت رشا عوض، عبر كتاباتها التي باتت تثير الشفقة أكثر من أي شيء آخر، تأجيج موجة التدليس، وهي المحترفة فيه من خلال إدارتها لصحيفة “التغيير”، التي لا تتوانى عن نشر الأكاذيب والإصرار عليها. ولديّ تجربة شخصية معها، حين أوردوا اسمي في دعوة لم أشارك فيها أصلًا. ورفضوا بعد ذلك حتى الرد على التساول من اين اتو بها، ناهيك عن اصلاحها.
رشا ورفاقها في الجوقة لا يتورّعون، بطبيعة الحال، عن ممارسة أي نوع من الكذب والانحطاط الأخلاقي والوطني، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا في خدمة قضية كبرى، وهي في حقيقتها باطل محض، يجتهدون في إلباسه لبوس الحق.
تتساءل رشا عوض، بكل بلاهة الدنيا، عمّن هم الأفراد داخل الجيش الذين عنيتهم في حديثي، وهي لا تدري أنها تفضح نفسها ومهنتها أوّلًا، إذ تكتب عن شيء قبل حتى أن تستمع إليه. فمن يشاهد الفيديو، يجد أنّني أشرتُ تحديدًا إلى قيادة الجيش بالأسماء (برهان، كباشي، ياسر العطا، ونسيتُ ذكر إبراهيم جابر حينها) في تحديد مسؤولية قيادة الجيش عن فضّ الاعتصام. وذكرتُ معهم حميدتي وعبدالرحيم، بمشاركته المباشرة.
تحاول رشا، بتدليس من عند نفسها الأمّارة بالسوء، أن توحي — بل كتبت صراحةً لا تلميحًا — بأنني قلت إنّ المليشيا وحدها، دون شريك، هي المسؤولة عن فضّ الاعتصام. بينما الفيديو منشور وموثّق، وأقول فيه بوضوح إن قيادة الجيش والدعم السريع تتحملان المسؤولية الكاملة، غير منقوصة، عن مجزرة فضّ الاعتصام.
ثم تمضي رشا، في أحقر استهانة ممكنة بدماء السودانيين — وهو أمر غير مستغرب منهم منذ اندلاع الحرب — في محاولة تبرئة الدعم السريع، بادّعاء أن قائده اعتقل وحقّق مع المئات بعد المجزرة. وكأننا لم نشاهد المقاطع التي توثّق جنوده ونائبه/شقيقه وهم منخرطون بأنفسهم في ممارسة الجريمة صباح يوم الفضّ.
رشا عوض وبقيّة جوقتها، في محاولتهم ترسيخ خطاب الثنائية الذي يسعون عبره لتبرير مواقفهم المتماهية مع جرائم الدعم السريع، أزعجهم إعادة توجيه الاتهام بوضوح إلى راعيتهم، مليشيا قوات الدعم السريع، وكفيلهم الإماراتي، بانخراطهم في هذه الجرائم، فاسْتُقطِع منهم صوابهم حين واجهوا الحقيقة: أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ولن تُمحى من ذاكرة السودانيين، مهما حدّثتهم رشا عن “الروح الإيجابية” التي تسود اجتماعاتهم مع مالك المليشيا وقائدها، حميدتي.
أما ثنائية أن من لا يقف معهم في معسكر تبرير جرائم المليشيا والخضوع لأوامر الإمارات هو “داعية حرب” أو “بلبوسي” — كما يتداولون هذا المصطلح — فهي مجرّد محاولة بائسة للإرهاب الفكري. فرشا ورفقتها هم دُعاة الحرب الحقيقيون، الذين ظلّوا يهلّلون لمعارك المليشيا، ويبرّرون جرائمها، ويرددون أكاذيبها ويعقدون معها الاتفاقات. هذه الأكذوبة ليست بعيدة عن نكتة تسمية الهادي إدريس لحكومتهم، التي يسعون لتأسيسها مع قوات الدعم السريع، بأنها “حكومة سلام”، بينما قواته تشارك في الهجوم والإبادة بمعسكرات زمزم وأبو شوك ومدينة الفاشر. وهذه ليست (عمايل) من يسعى للسلام.
وفي ما يخص المسؤولية المؤسسية، والتي حاولت نفس الدوائر من قبل تغبيشها عبر الاتفاق الإطاري، بإعادة تفسير العدالة الانتقالية واختزالها في المحاسبة الجنائية للجنود الذين ارتكبوا الجُرم بأيديهم، مع ضمان إعفاء القيادات التي سمحت بالانتهاكات من المحاسبة السياسية والجنائية — وهو فهم مقلوب تمامًا — فقد ناقشته أيضًا في اللقاء الذي لم تشاهده رشا، وقفزت إلى نقده. ولكن يبدو ان مشكلة رشا انها تكتب مدفوعة من جهات ما، او لتمرير اجندة ما، فلا يعنيها الواقع في شي، ما دامت تسعى لخلق وترويج الاكذوبة.
والسوال لِرشا وبقيّة جوقتها: هل يمكنهم، بأي منطق، محاسبة حامد عثمان (حامد الجامد) على فضّ الاعتصام؟ أم محمد صديق؟ ماذا عن استقالة قائد منطقة الخرطوم العسكرية، الفريق مرتضى وراق، صباح يوم الفضّ احتجاجًا عليه؟ وهو من تقع ساحة الاعتصام تحت مسؤوليته العسكرية، ولا يمكن تحريك قوات فيها دون علمه، ناهيك عن استقالته احتجاجًا؟ وغيرها كثير من الشواهد التي تشير بوضوح إلى أن مسؤولية الجريمة تقع على قيادة الجيش، وتورّطها المؤسسي في جريمة فضّ الاعتصام، التي ارتكبتها على مرأى ومسمع من السودانيين، بأيدي جنود أميرهم في قوات الدعم السريع، بقيادة شقيقه ومشاركته المباشرة. أما سؤالها عن “الانضباط في الجيش”، وتقديمه كدليل على “التورّط المؤسسي”، فأستغرب أن يأتي من دوائر ظلّت تروّج لنظرية “الطرف الثالث” الذي أطلق الرصاص أولًا من داخل صفوف الجيش لإشعال الحرب! يا لمهالك التناقض وعدم الاتساق، التي تحاول رشا القفز عليها بالتدليس، والاقتباس المبتور، ومحاولات الإرهاب الفكري البائسة.
اسقاط رشا لخلافات المواقف حول الحرب، على حادثة فض الاعتصام السابقة يكشف هدفها الاساسي في انه الدفاع عن المليشيا بالحق او الباطل في محاولة غسيل اوراقها والتمهيد لحكومتها المرتجاة. والحق أن رشا ورفاقها في الجوقة لا تعنيهم الحقيقة في شيء. فهم يتحرّكون بإيمان أشبه بالعقيدة، مدفوع الأجر، أو محض عمى بصيرة — لا فرق — في محاولتهم الدفاع عن إجرام حميدتي وإخوته وجنده. وبينما هم يتناولون كل شيء فيما يخص الحرب، فهم لا يجرؤون على الإشارة، ولو تلميحًا، إلى الدور الذي تلعبه الدولة الراعية للإبادة الجماعية في السودان، بل يستنكرون أصلًا مجرّد ذكرها في سياق استعراض أطماعها في بلادنا، التي كلّفتنا حتى الآن مئات الآلاف من الأرواح. وهذه جوقة لا يجدي النقاش معها في اي مضمون موضوعي، فهم عندما يعجزهم الرد على اي قول، يعمدون الي تجاوز مضمونه ومهاجمة صاحبه، بالباطل او الاكاذيب او اي شيء يقدح فيه، ويوفر لهم ملاذا نفسيا كاذبا من تناول مضمون حديثه. ولعل هذه الجوقة سيأتي عليها يومٌ تستنكر فيه حتى أن يقف سوداني أو سودانية لتحية نشيد العلم، فيقتطعون له تهمة من شباطتهم الفكرية.
إن ما تفعله رشا عوض وبقية رفاقها في الجوقة ليس دفاعًا عن مبدأ، ولا ذودًا عن قضية، بل هو انخراط مذموم في متوالية الانحدار الأخلاقي التي تصطف، بوعي أو عمى، خلف راية السفاحين، وتصفّق للجلاد بينما الدم لم يجفّ بعد عن أزقة الخرطوم وأطراف الفاشر.
يا رشا،
أعرضوا عن دقّ طبول الحرب التي اشعلها أمرائكم، وتأجيج إجرام المليشيا. فهذا السودان هو الوطن الوحيد الذي نملك. وقد شهدنا جميعًا ما تفعله به مليشيا قوات الدعم السريع في المناطق التي تسيطر عليها. حينها، لم تنفع السودانيين “إيجابية أجواء وأرواح اجتماعاتكم” مع حميدتي، ولم تدفع عنهم اتفاقاتكم المعلنة والسرية معه، بأس جنوده. فان لم يكن خيرا تصنعوه للسودانيين، فكفوا على الاقل عن اذاهم.
شارك هذا الموضوع :