مقالات

العنصرية ضد سكان الكنابي والجذور التاريخية وتجلياته المعاصرة

العنصرية ضد سكان الكنابي والجذور التاريخية وتجلياته المعاصرة

متابعات -السلطة نت

د. جعفر محمدين عابدين

اولا الخلفية التاريخية

العنصرية التي يمارسها بعض دعاة العروبة بوسط السودان تجاه سكان الكنابي واحدة من أبرز أوجه التمييز الاجتماعي والثقافي في السودان الحديث. هذه الممارسات ليست عابرة أو فردية، بل هي امتداد لبنية عنصرية راسخة ضاربة في جذور تاريخ. ثلة من المكونات العربية العنصرية في وسط السودان تجاه سكان الكنابي:

 

حيث تمثل العنصرية التي يمارسونها تجاه سكان الكنابي ليست عابرة أو فردية، بل هي امتداد لبنية عنصرية راسخة ضاربة في جذور التاريخ، ومستمرة بأشكال متعددة – سياسيًا، اجتماعيًا، واقتصاديًا – ما يؤثر بشكل مباشر على العدالة الاجتماعية ومبدأ المواطنة المتساوية.

 

 

فمنذ نشوء الدولة السودانية الحديثة، تبنى دعاة العروبة، خاصة في مناطق الوسط النيلي، هوية عربية-إسلامية أحادية، عملت على إقصاء الهويات الإفريقية المتنوعة، أو اختزالها ضمن رواية مصطنعة لما يُسمى بـ”الهوية الوطنية”.

 

 

في هذا السياق، تعرض سكان الكنابي، ومعظمهم من أصول إفريقية تعود لمناطق مثل دارفور، كردفان، والنيل الأزرق، لتمييز عنصري ممنهج. صُنّفوا لعقود على أنهم “وافدون”، سابقون”، أو “خدم زراعيون”، في تجاهل متعمد لكونهم مواطنين سودانيين أصيلين.

 

 

وفي الحقيقة، يعود نسب كثير من هؤلاء السكان إلى سلالات الملوك والسلاطين الذين سكنوا وعمّروا السودان القديم، ولهم امتدادات ثقافية وتاريخية في الممالك المسيحية التي كانت قائمة في وسط وشمال السودان قبل الهجرات العربية.

 

 

لقد تعرض سكان الكنابي لأنواع من العنصرية والانتهاك فاقت – من حيث المدى والاستمرارية – بعض صور الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، أو أشكال التمييز ضد السود في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يستدعي وقفة نقدية جادة على المستوى الوطني والحقوقي.

مظاهر العنصرية

التهميش الثقافي واللغوي

تُهمّش لغات ولهجات

سكان الكنابي، ولا يُعترف بها ضمن ما يُسمى بالهوية القومية، بل يُشار إليها باستخفاف بعبارة “الرطانة”، في توصيف تحقيري يقلل من قيمتها الثقافية والتاريخية.

الإقصاء السياسي

رغم انتشارهم السكاني الواسع في ولايات الوسط مثل الخرطوم، الجزيرة، سنار، النيل الأبيض، النيل الأزرق، وشرق القضارف، يتم استبعادهم من التمثيل السياسي والمواقع الإدارية المؤثرة.

التمييز الإعلامي

يغيب صوت سكان

الكنابي عن الإعلام الرسمي، إلا عند تناولهم في سياقات أمنية أو عند وقوع أحداث عنف، وغالبًا ما يتم ذلك بطريقة مشوّهة ومنحازة.

العنصرية اليومية

يعاني كثير من سكان الكنابي من التمييز اللفظي والمهني، ويُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، يُحرمون من حقوق الملكية والخدمات الأساسية. في الأسواق وأماكن العمل، تُستخدم ضدهم ألفاظ عنصرية مثل “يا عبد” و”يا ود الخدامة”، أن من يرددونها في الأصل هم خليط عرقي يلبس قناع العروبة الثقافية.

أدوات دعاة العروبة في ترسيخ التمييز

الخطاب الديني المؤدلج

يُستخدم الدين كأداة لشرعنة الهيمنة الثقافية والعِرقية، وتبرير تهميش المكونات الأخرى باسم التفوق الديني أو الحضاري.

القوانين الانتقائية

تُوظّف القوانين لإزالة قرى الكنابي، أو حرمانهم من التعليم، والخدمات، والمرافق الأساسية، في انتهاك صريح لمبدأ المساواة أمام القانون

التحالف مع النخب الاقتصادية

يتم استغلال سكان الكنابي كعمالة زراعية رخيصة، دون ضمانات قانونية أو اجتماعية، في تجاوز واضح لمعايير حقوق الإنسان والعدالة الاقتصادية.

نتائج هذا التمييز

الهشاشة الاجتماعية

يعيش سكان الكنابي في بيئات تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، بما في ذلك السكن، التعليم، والرعاية الصحية.

الاحتقان المجتمعي

الإقصاء المتراكم يغذي مشاعر الغضب، ويهدد بانفجارات اجتماعية خطيرة، خصوصًا في ظل الحرب الأهلية الجارية بين أطراف النزاع العسكري في البلاد.

الهجرة القسرية

دفعت سياسات التهجير والاضطهاد آلافًا من سكان الكنابي إلى النزوح القسري أو الهجرة، امتدادًا لسياسات استبعادية متواصلة منذ الاستقلال.

مطلوبات تجاة قضايا المواطنة المتساوية كالاتي…

1. الاعتراف بسكان الكنابي كمكوّن أصيل ومتساوٍ في الحقوق والواجبات.

2. إصلاح المناهج التعليمية لتضمّ التاريخ والثقافات الإفريقية السودانية الحقيقية غير المشوّهة

3. محاسبة كل من يروّج أو يمارس التمييز العنصري، وفقًا للقانون.

4. إنشاء مفوضية وطنية مستقلة للعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة المتساوية، دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجهة.

5. ضمان التمثيل العادل لسكان الكنابي في الإعلام، والمؤسسات السياسية، والإدارة العامة.

خاتمة

إن التمييز العنصري ضد سكان الكنابي لا ينتمي فقط إلى الماضي، بل هو واقع يومي يُكرّس عبر مؤسسات التعليم، والإعلام، والقانون.

 

ومعالجة هذه الأزمة لا تتم إلا من خلال خطاب وطني جديد، يعترف بالتعددية الثقافية والعرقية في السودان، وينطلق من مبدأ أن “السودان لكل السودانيين “، بلا تمييز أو إقصاء أو استعلاء..

 

شارك هذا الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى