السودان : بين فكي النار والعطش وواشنطن تتحرك

السودان: بين فكي النار والعطش وواشنطن تتحرك
السلطة نت- رشا رمزي
في ظل استمرار الحرب الطاحنة في السودان وتفاقم الأوضاع الإنسانية، شرعت الولايات المتحدة الأميركية في تحرك دبلوماسي لافت، تمثل في إجراء اتصالات مباشرة مع طرفي النزاع السوداني، الجيش وقوات الدعم السريع.
التحركات الأميركية تأتي في إطار التحضير لاجتماع “الرباعية” المرتقب عقده في واشنطن نهاية يوليو الجاري، والذي يهدف إلى بحث سبل إنهاء الحرب ووقف تدفق الأسلحة إلى البلاد.
وبحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، يقود مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، جهود الاتصالات مع قيادات سودانية رفيعة، حيث أجريت محادثات بنّاءة مع ثلاثة مسؤولين في بورتسودان أسهمت في تعزيز التفاهم حول أجندة الاجتماع.
هذه الأجندة تركز على محاور حاسمة أبرزها وقف الدعم العسكري لقوات الدعم السريع، ومنع استخدام الأراضي التشادية والليبية كممرات عبور للسلاح والمقاتلين، وهي جهود تقودها مصر ضمن أدوارها في المجموعة الرباعية إلى جانب السعودية والإمارات والولايات المتحدة.
يأتي هذا الحراك في ظل مناخ دولي متوتر، حيث اعتمد مجلس الأمن بالإجماع قرارًا جديدًا يدعو لتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، في وقت وصف فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الحاجة للسلام بأنها “أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى”.
غوتيريش لم يخفِ قلقه من التجاهل الصريح للقانون الدولي في النزاعات الجارية، مستشهداً بما وصفه بـ”مشاهد الرعب” في غزة وارتفاع منسوب الكوارث في أوكرانيا والسودان وهايتي وميانمار.
في الميدان السوداني، تتواصل الكارثة في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع لحصار خانق من قبل قوات الدعم السريع منذ قرابة عام.
وأفادت مصادر محلية بسقوط طائرة مسيرة استراتيجية تابعة للدعم السريع داخل المدينة، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث.
في الوقت ذاته، تشهد المدينة قصفًا مدفعيًا متجددًا، فيما تواصل القوات المسلحة عمليات تمشيط في أحيائها الجنوبية بعد صد هجوم يوم الإثنين.
الوضع الإنساني في الفاشر بات كارثيًا. فقد أعلن وزير الصحة والرعاية الاجتماعية بالإقليم عن ارتفاع جنوني في أسعار الغذاء، حيث بلغ سعر جوال الذرة أكثر من ثلاثة ملايين جنيه، وسط نقص حاد في الأدوية وتدمير متواصل للمستشفيات والمدارس والمرافق الخدمية.
الوزير اتهم قوات الدعم السريع باستخدام “سلاح التجويع” لإفراغ المدينة، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط لفك الحصار وإيصال المساعدات.
أما في جنوب دارفور، فقد بلغت الأزمة ذروتها مع تفشي وباء الكوليرا، إذ سجلت وزارة الصحة أكثر من 528 إصابة و38 وفاة منذ مايو الماضي، وسط انهيار شبه كامل للبنية الصحية. وتزايدت المخاوف من الكارثة مع استمرار الأمطار والسيول التي دمرت مئات المنازل في معسكر عطاش للنازحين، فضلاً عن تسجيل حالات عنف جنسي وانتهاكات ضد النساء في محيط نيالا، بحسب تقارير منظمات حماية.
في خضم هذا الواقع، تواصل قوات الدعم السريع تحركاتها استعداداً لتشكيل حكومة السلام الموعودة ضمن تحالف السودان التأسيسي. وتُجري لجانها ترتيبات مكثفة في نيالا، بما يشمل تأمين المجال الجوي للمدينة وتسجيل المركبات ضمن خطة أمنية شاملة.
ورغم هذه التحضيرات، تبقى الأوضاع الإنسانية والأمنية في تدهور مستمر، ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي بين الوعود والواجبات.
وبين دبلوماسية العواصم وأشلاء المدن، يظل المواطن السوداني هو الضحية الأولى والأخيرة لحرب لا تنتهي، وكارثة إنسانية تتسع رقعتها يومًا بعد آخر.
شارك هذا الموضوع