مناوي ومباحثات ابوجا 2006

مناوي ومباحثات ابوجا 2006
متابعات – السلطة نت
– مجاهد بشري
بعد شهورٍ من التفاوض والمباحثات في أبوجا 2006م، ما بين حركات الكفاح المسلح الثلاث: “العدل والمساواة” بقيادة الراحل الدكتور خليل إبراهيم، و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة الأستاذ عبد الواحد محمد، و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة مني أركو مناوي، من جهة، وبين نظام البشير من جهةٍ ثانية، واجهت المفاوضات معضلةً كبيرة تمثلت في نكوص الحكومة عن مسودةٍ داخلية تحمل في جوهرها أهم قضايا الصراع المتفق عليها، مثل:
اعتبار دارفور إقليماً يقوم على شأنه حاكم، ومنح الحركات المسلحة منصب نائبٍ لرئيس الجمهورية، وبند الترتيبات الأمنية.
وفي الثاني من مايو 2006م، وبحضور الإرتريين الذين كانوا جزءاً من الوساطة، وضعت الحركات الثلاث ميثاقَ شرفٍ على ألا يوقّع أيُّ طرفٍ منها على اتفاقٍ مع الحكومة ما لم تُضمّن كل القضايا الأساسية في الاتفاق النهائي، وكان شاهداً عليه مسؤولُ الشؤون التنظيمية للنظام الإرتري السيد عبد الله جابر، الذي كان جزءاً من الوساطة.
كان ميثاق الشرف ضمانةً لتشكيل جبهةٍ موحدة تزيد من الضغط على وفد نظام البشير، مما يجبره على القبول بشروط الحركات المسلحة، وإلا انهارت العملية التفاوضية رغم كل الجهد الذي بُذل من الوسطاء لإنجاحها. وكاد الأمر أن ينجح، لولا خيانةٍ واحدة حدثت لهذا الميثاق.
ففي الثالث من مايو 2006م، وبعد أن ضَمِنَ قائد “حركة جيش تحرير السودان” مني أركو مناوي ثبات رفاقه عبد الواحد محمد نور وخليل إبراهيم على موقفهما بعدم التوقيع على الاتفاق بهذه الصيغة الناقصة، أرسل رسالةً إلى الوسطاء بأنه قبل شروط نظام البشير، حيث عُرض عليه رئاسة سلطةٌ إقليمية، ومنصبُ مساعدٍ كبير لرئيس الجمهورية.
الصدمة التي أصابت رفاقه دفعتهم لسؤاله عن هذه الخيانة والتصرف الغريب، ووفقاً لمصادر متطابقة، فقد أخبرهم مناوي أن المسميات لا تهم، بل الصلاحيات، فقد وعده مجذوب الخليفة بأن منصب مساعد رئيس الجمهورية، ومنصب رئيس السلطة الانتقالية لإقليم دارفور، سيأتيان بنفس الصلاحيات التي كان يريدها كنائب رئيس أو حاكم إقليم.
وما بين الغضب والذهول الذي أصاب رفاقه من غبائه وسذاجته وانتهازيته، إلا أنهم أخبروه بأن هذا الأمر مجرد خدعةٍ من وفد الحكومة، وسيتبيّن له أنه ضحيةُ خدعةٍ كبيرة.
أصر مناوي على موقفه، حيث وقّع بقصر أوباسانجوا يوم 5/5/2006م على اتفاقه مع الحكومة، مما دفع بحركة “العدل والمساواة” إلى العودة للميدان واستئناف الثورة المسلحة ضد نظام الإسلاميين، وانتهى الأمر بهجومهم على العاصمة الخرطوم في 2008م، حيث وقف مناوي ضد رفاقه وأدان خطوتهم ضد حلفائه الجدد الذين قلبوا ظهر المجن سريعاً في وجهه ، ونجح نافع علي نافع في تجريد حركة مناوي من السلاح، والإخلال ببند الترتيبات الأمنية، ما دفع بالأخير إلى الخروج مغاضباً و يُعلن أنه كان عبارة عن “مُساعد حلّة” في إشارة لمنصبه ككبير مساعدي الرئيس دون أن يمتلك أياً من الصلاحيات التي وعده بها مجذوب الخليفة والتي حذّره منها رفاقه.
لاحقاً، أعلنت حركة مناوي أنها في حلٍّ من اتفاق أبوجا، وصرّح مناوي بأنه لا يعترف بنظام البشير لأنه نظامٌ غير شرعي، وأنه سيستخدم كافة الوسائل لإسقاطه، وأن هدف استراتيجية الحكومة الجديدة هو تجريد قواته من سلاحها ودمجها في قوات الحكومة بهدف استخدامها في حربها ضد فصائل المقاومة الأخرى، وتفكيك معسكرات النازحين، واستئناف عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية في دارفور.
ودعا مناوي فصائل المقاومة المسلحة للعمل سوياً لإسقاط النظام، ودعا كذلك المحكمة الجنائية الدولية إلى الاهتمام بتعزيز آليات المراقبة والرصد لما أسماه بعمليات التطهير العرقي الجارية حالياً في الإقليم. وطالب مناوي أيضاً البعثة المشتركة “يوناميد” بالنهوض بواجبها في حماية المدنيين ومراقبة سلوك الحكومة، وفقاً لراديو دبنقا.
فكانت خيانة مناوي لرفاقه سبباً في اغتيال قائد حركة “العدل والمساواة” الدكتور خليل إبراهيم، وارتكاب النظام مجازر رهيبة في دارفور، في ردٍّ انتقامي على هجوم د. خليل على العاصمة، وفرّ مناوي من جديد، ولم يعد حتى أتت ثورة ديسمبر المجيدة، حيث التقاه قائد الدعم السريع دقلو بتشاد في قصر الرئيس الراحل إدريس ديبي، فعاد إلى المشهد عبر اتفاق سلام جوبا، ليغدر مجدداً برفاقه من المكون المدني، بالمشاركة في انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، والانضمام من جديد للإسلاميين ونظام البشير، ليقاتل ضد الدعم السريع ورفاقه المنشقين من “العدل والمساواة”، والمجلس الانتقالي، والجبهة الثورية، أمثال الدكتور الهادي إدريس والأستاذ الطاهر حجر وغيرهم.
شكلت خيانات مناوي وعدم ثبات مواقفه لحظاتٍ فارقة أدت إلى نتائج كارثية على قضية أهل دارفور، وإلى ازدياد عدد الضحايا الذين سقطوا بمئات الآلاف على يد جيش الحركة الإسلامية ونظامها، وهو ما يعلمه قائد جيش الحركة الإسلامية عبد الفتاح البرهان الذي ارتكب جرائم حرب وحشية في دارفور.
ويقف مناوي عاجزاً وخائفاً حتى من المطالبة بتسليم السفاح البشير للمحكمة الجنائية الدولية، ويقدّم مئاتٍ من شباب دارفور وقوداً باسم المشتركة لحربٍ خسرها منذ أن أصبح أحد اللاجئين بدولة بورتسودان، فارّاً من إقليمٍ لم يستطع إجبار ذات النظام على إجازة قانونه أو الإيفاء بالتزاماته المنصوص عليها في سلام جوبا، رغم مرور خمس سنواتٍ على توقيعه، مما يعني انه بات حرفيا دون ثقل أو وزن يسمح له بالمطالبة بأي شيئ، وهو يدرك ذلك جيدا.
يتجوّل مناوي حائراً ومعترفاً أنه “مرة مع دول، ومرة مع دول”، مهدداً تارةً، ومتملقاً تارةً أخرى، يجر خلفه تاريخاً من الغدر والخزي، وطعن كل رفاقه ومن يمد له يد السلام.
مخدوعاً بأكاذيب النظام التي لا تقف على ساقين، يشرب من السراب، ويتجشأ التمنيات، ويتمايل طرباً كلما نادوا في وجهه:
“مورال فوق”،
فوق السماء ذات البروج دون شك،
دون أن يدرك بأن مشواره مع من غدروا به مراراً قد شارف على النهاية.
النهاية القادمة لا محالة،
فهي المصير المحتوم لكل انتهازي وغدّار.
و مِنّاوي..
شارك هذا الموضوع