تقارير

السودان : بطاقة بلا صلاحية – أزمة وجودية للمواطن 

السودان : بطاقة بلا صلاحية – أزمة وجودية للمواطن

متابعات – السلطة نت

في بلد تتآكله الحرب وتُعاد فيه تشكيل الجغرافيا بالقوة، لم تعد الهوية السودانية محصّنة ضد الشك عشرات الآلاف من المواطنين، يحملون بطاقاتهم القومية في جيوبهم، لكنهم يُعاملون كمجهولين في وطنهم تُطلب البطاقة في نقاط التفتيش فلا تُعترف، تُعرض في المكاتب الحكومية فترُفض، وتُحمل في المعابر والقطارات بلا جدوى. لقد تحولت وثيقة التعريف إلى ورقة صامتة في دولة تتفتت فيها السلطة وتغيب فيها المركزية، لتنشأ مأساة صامتة: أزمة الهوية في وطن بلا ملامح.

 

تعدد السلطات.. واختلاف الاعتراف

لا تيعترف بالبطاقات الصادرة من الخرطوم، وفي أخرى يُطلب “إثبات الإقامة” أو “معرفة الكفيل المحلي”، وكأنك أجنبي في موطنك. وفي المعابر الحدودية، تتكرّر المأساة حين يُرفض عبور السودانيين بوثائقهم الرسمية بحجة عدم اكتمال الختم أو الشك في الانتماء المناطقي.

 

ضياع السجل المدني.. وميلاد مجهول

تسببت الحرب في تدمير أجزاء كبيرة من منظومة السجل المدني، خاصة في الخرطوم ودارفور، مما جعل استخراج الأوراق الثبوتية أمرًا معقدًا أو مستحيلًا. أطفال وُلدوا بلا شهادات ميلاد، وأسر فقدت وثائقها أثناء النزوح، ولا توجد جهة فاعلة تستطيع إعادة إصدارها. وفي بعض المناطق، يعاني المواطنون من فقدان الرقم الوطني ذاته، لتصبح هويتهم “معلّقة”، في وقت يتطلب فيه الحصول على أي خدمة أساسية – من الغذاء إلى التعليم – إثبات الهوية أولًا.

 

التمييز والإقصاء.. من يحمل “هوية الجهة الخطأ”

بعض المواطنين يواجهون تمييزًا صريحًا على أساس الانتماء الجغرافي، حيث تُعامل البطاقة القومية الصادرة من مناطق بعينها، خاصة من الخرطوم أو دارفور، كوثيقة مشبوهة. ويتعرض أصحابها للتفتيش المطول أو المنع أو التوقيف، مما يجعل الكثيرين يتجنبون استخدامها خوفًا من التنكيل، بل ويعيشون بلا أوراق في بعض المناطق كخيار أكثر أمنًا من إبراز الهوية.

 

المؤسسات عاجزة.. وبدائل تتكئ على القبلية

غياب الدولة المركزية جعل البدائل القبلية والاجتماعية هي المرجعية الوحيدة للإثبات، فيعتمد البعض على “معرفة العمدة” أو “تزكية شيخ المحلة” للحصول على معونة أو تسجيل في مدرسة أو ضمان عبور حاجز أمني. وتحوّلت القبيلة والوشائج الاجتماعية إلى أدوات تعريف غير رسمية، لكن لا يمكن الاعتماد عليها خارج نطاقات النفوذ المحلي، ما يعمّق الانقسام الوطني وينسف فكرة الهوية الموحدة.

 

بلا هوية.. بلا حقوق

الأزمة ليست بيروقراطية فقط، بل هي أزمة حقوقية في جوهرها. من لا يملك إثباتًا رسميًا للهوية لا يستطيع التسجيل في المدارس، أو الحصول على مساعدات إنسانية، أو فتح حساب مصرفي، أو حتى السفر بأمان. ويفقد النازحون واللاجئون إمكانية العودة القانونية، بينما يُحرم عشرات الآلاف من إثبات النسب والحق في الوجود كمواطنين في بلدهم.

 

 

 

 

شارك هذا الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى