الحرب الإيرانية الاسرائيلية وتداعياتها على السودان

الحرب الإيرانية الاسرائيلية وتداعياتها على السودان
الإعلانات

الحرب الإيرانية الاسرائيلية وتداعياتها على السودان

متابعات -السلطة نت

“عندما تتقاتل الوحوش في الجبال، تسيل الدماء في السهول”——مثل أفريقي

الحرب التي اندلعت بين ايران واسرائيل، تكشف هشاشة الحدود بين (المركز والهامش)، بين القوىً الإقليمية والضياع السوداني، بين من يصنع الحدّث ومن يُدهس تحت وقع ووقائع الغارات. باندلاع هذه المواجهة المفتوحة لن تعود الضربات المتبادلة بين ايران واسرائيل بالوكالة، لقد أصبح الصراع مباشرا الآن، و قد يُشعل الحريق المنطقة بأكملها.
الولايات المتحدة بدأت إخلاء الأسر في سفاراتها كخطوة أولى.. والممرات البحرية أغلقت، فيما العالم يحبس أنفاسه. بينما نظام بورتسودان كالعهد به، يتلفت كقلب ذلك البدوي في صحراء البروفيسور الراحل عبد الله الطيب، عله يرى صوى ساري يذكره سبسب إلى مضارب حليف منسي!
والخليج، حيث يعيش ملايين السودانيين، تقوم بقايا اقتصاد الدولة الفاشلة عليهم، لا محالة أن هذه المواجهة المفتوحة ستؤثر عليهم. فالحروب عادة تطال من لا يشاركون فيها أيضا!
صحيح ان السودان في مرمى النيران غير المباشرة في الخرائط العسكرية كدولة طرفية لا يُذكر اسمها. لكنه بالمقابل يحتل خرائط الحروب الاهلية، والدول الفاسدة المنخورة من الداخل. إنه ليس طرفًا في الحرب التي اشتعلت لتوها، لكنه سيتلقى نتائجها كاملة. كما تلقى من قبل نتائج الحروب البعيدة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن. إنه الدّولة الارهابية الهامشية المنبوذة، التي تدفع ثمن تفاعلات المركز الإقليمي.
من المؤكد ستنفجر أسعار النفط وفي اقتصاد هش، لا يحتمل أي صدمة خارجية، وسيؤدي ارتفاع سعر البرميل إلى ما يشبه الهزّة الأرضية، وسيصعد الدولار إلى مستويات جديدة، وتتضاعف أسعار الوقود، الدواء، الخبز ويتخلل الشلل شبكات النقل والإمداد. وهذا يعني شيئا بسيطا جدًا بلغة الغبش: تفاقم المجاعة والأمراض والأوبئة أكثر.
ومع انشغال السعودية والإمارات وقطر بحماية أمنهم الداخلي، ومصالحهم البحرية. سيخفّ التدخل الخليجي في مسارات الحرب السودانية، ما يفتح الباب أمام قوى جديدة مثل تركيا، او روسيا للعب أدوار أكثر جرأة في البحر الأحمر ودارفور. وستجد الفصائل السودانية نفسها أمام فراغ رعاية، يُجبرها على التحالف وفق قاعدة: “من يملك المال والسلاح أولًا”
في الرياض وأبوظبي والدوحة، يعيش ملايين السودانيين، الذين يحملون السودان على ظهورهم. تحويلاتهم تُبقي بعض البيوت على قيد الخبز. هؤلاء اليوم في مواجهة خطر ثلاثي: خطر أمني مباشر إذا تصاعدت الحرب إلى استهداف إيران لبعض المدن الخليجية.
وخطر مالي نتيجة تجميد التحويلات أو اضطراب الأنظمة المصرفية. وخطر معيشي من ارتفاع الأسعار وتقييد الحركة.. سيصبح المغتربون السودانيون في الخليج، أضعف من أن يحمون الداخل، وأوهن من أن يحمون أنفسهم.
و مصر.. الحليف الذي أرهقته السياسات الخاطئة قلبه وروحه معلقين على قناة السويس، التي تقع الآن في عين العاصفة، فإذا أُغلق مضيق هرمز أو باب المندب، فإن القاهرة ستواجه موجة اقتصادية أخرى. ومع الوجود الكثيف للنازحين واللاجئين السودانيين، المنتشرين في المدن المصرية، ستتهالك هياكل الاقتصاد المصري أكثر. و لن تملك مصر رفاهية المغامرة في السودان، وربما ستركز على تأمين حدودها الشرقية فقط.
لذا أي حديث عن “دور مصري فاعل في تسوية الحرب السودانية” سيؤجل، لأن الدولة نفسها تعاني من فائض أزمات ونقص أدوات.
هذه الحرب بين اسرائيل وايران ليست مجرد اشتباك مسلّح بين قوتين إقليميتين، بل هي تجسيد فجّ للعالم كما هو:
دول تتحكم بالسرد، ودول تُستثمر كأدوات، ودول تُنسى حتى في قوائم الضحايا.
والسودان، في هذا السياق، ليس فقط ضحية تبعات؛ إنه شاهد على عجز العدالة الدولية.. شاهد على كيف يُحوّل الحريق السياسي إلى مجاعة محلية، وعلى كيف تُختزل حياة البشر في مؤشرات سوق وممرات نفط.
إذا ما استمرت الحرب، فإن الشرق الأوسط سيعاد رسمه بالقنابل. لكن، وللمفارقة، فإن أكثر الدول تأثرا لن تُوقّع على اتفاق سلام، أو تُشارك في مفاوضات هدنة. سيظل السودان خارج الغرف المغلقة، داخل المصير المكشوف. وفي انتظار ما لا نعرفه، لا نملك إلا أن نعيد قول محمود درويش: “لا أحد يطلب من الموتى أن يُغنّوا.” لكن الأحياء في السودان، أولئك العالقين بين حرب الداخل ولهيب الإقليم، يحتاجون إلى صوت يحذرهم، ويُنذرهم، وربما.. يوقظهم من سبات أهل الكهف.

 

أحمد ضحية

 

شارك هذا الموضوع

Verified by MonsterInsights