مقالات

الخرطوم : سردية الخراب في ذاكرة السودان

من النقعة إلى الخرطوم : سردية الخراب في ذاكرة السودان

متابعات – السلطة نت

بقلم- عبد الجليل سليمان

من يتأمل مسار التاريخ السوداني، يلحظ نمطًا ثابتًا يطلّ برأسه في كل المنعطفات الكبرى، ثقافة التدمير بدل البناء.. لم تكن هذه الصفة حادثة عابرة، بل تكاد تتحول إلى سمة مميزة لطريقة تعاطي السلطة والشعوب السودانية مع المدن والعواصم منذ قرون.

 

أول الملامح البارزة لهذه الظاهرة يمكن تلمسه عند سقوط سوبا، عاصمة مملكة علوة المسيحية، في القرن السادس عشر. لقد كانت مدينة عامرة بالكنائس والبيوت المبنية بالحجر والطوب، مركزًا تجاريًا وحضاريًا متطورًا.

 

وعندما دخلها الفونج وحلفاؤهم، لم يتركوها لتكون عاصمة دولتهم الجديدة ويستفيدوا من بنيّاتها، بل دمروها تدميرًا شاملًا، لتختفي عن الخريطة تاركةً وراءها أطلالًا يرويها المؤرخون والرحالة.

ثم تكرر المشهد بعد ثلاثة قرون، حين حاصر جيش المهدي الخرطوم. وبعد أن سقطت المدينة في يناير 1885، لم تُعامل كعاصمة يمكن البناء عليها، بل جرى استباحتها بالكامل؛ قُتل عشرات الآلاف من سكانها، ونهبت بيوتها، وأفرغت من الحياة.

 

لم ير المهدي ضرورة لإحياء الخرطوم، بل أسس مدينة جديدة على الضفة الأخرى من النيل، هي أم درمان، التي أصبحت عاصمة الدولة المهدية، بينما تُركت الخرطوم خرابة خاوية.

واليوم، في القرن الحادي والعشرين، يعيد التاريخ نفسه. فالعاصمة السودانية الخرطوم، التي جمعت بين ثلاثة مدن (الخرطوم، أم درمان، بحري)، تحولت إلى مسرح حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

 

والنتيجة كارثية؛ مدينة مدمرة منهوبة ومهجورة، غير صالحة للسكن، سكانها يفرون منها أفواجًا كما فر سكان سوبا والخرطوم المهدية من قبل.

 

 

المباني أُحرقت، المؤسسات نُهبت، والأحياء أضحت أطلالًا.

ما يلفت الانتباه أن هذا النمط لا يقتصر على الخراب المادي، بل يكشف عن ذهنية سياسية وثقافية تستهين بالمدن ومراكز الحضارة. ففي كل مرة، لا يُفكر الحكام في إصلاح أو ترميم ما هو قائم، بل يتركونه للخراب، ويتوجهون لبناء مركز جديد، وكأن العمران لا قيمة له.

هذا السلوك يطرح سؤالًا عميقًا: هل نحن أمام مصادفات تاريخية متكررة، أم أن في الثقافة السودانية السياسية النخبوية والشعبية العامة ميلًا غريزيًا نحو التدمير والانتقام والقطيعة مع الماضي كلما تغيرت السلطة؟

 

 

المؤكد أن الخراب المستمر حرم السودان من تراكم حضاري متين يشبه ما شهدته دول الجوار، مثل الحبشة ومصر اللتان حافظتا على مراكزهما الحضرية والدينية والمدنية قرونًا طويلة. بينما ظل السودان يبدأ من الصفر كل مرة، محمولًا على أنقاض الخراب.

 

إنها ثقافة التدمير التي تلاحق السودان عبر العصور، من سوبا إلى الخرطوم، وما لم يدرك السودانيون جذورها العميقة، فلن يكتب لحواضرهم سوى أن تلتحق بسابقاتها في سجل الخراب..

 

 

سفارة السودان تعلن خطوات حصول الطلاب السودانيين على التأشيرة لمصر

سفارة السودان تعلن خطوات حصول الطلاب السودانيين على التأشيرة لمصر

تحليل مضمون بيان الرباعية “أمريكا السعودية مصر الإمارات” حول السودان

تحليل مضمون بيان الرباعية “أمريكا السعودية مصر الإمارات” حول السودان.

 

 

شارك هذا الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى