مطار الخرطوم الدولي : لمنسوبيه حلم الإقلاع من جديد

مطار الخرطوم الدولي : لمنسوبيه حلم الإقلاع من جديد
متابعات – السلطة نت
نحن الموظفين في مطار الخرطوم… لم نكن نُدرك أن الخراب يمكن أن يصمت إلى هذا الحد، أن تتحول أصوات الطائرات إلى غياب ثقيل، وأن تتحول صالاتنا، التي كانت تضج بالمسافرين، إلى فراغ يوجع العين والقلب معاً. كنا نحرس الرماد وننتظر، ننتظر أن يخرج من بين الركام ما يثبت أن الخرطوم لم تمت، وأن هذا الوطن مهما أُثخن بالجراح، لا يزال يحتفظ بنبضه.
اليوم، حين أُضيف مطار الخرطوم إلى نظام الحجز عبر تاركو، شعرنا أن ما حدث ليس مجرد تحديث تقني في شاشة، بل هو عودة أولى لنبض القلب بعد صمت طويل. الأمر أشبه بزهرة برية تشقّ الإسفلت المحترق لتعلن أن الحياة تعرف كيف تعود، حتى حين يحاول الخراب أن يطمسها.
لقد خسرنا الكثير في الحرب، خسرنا وجوهاً وذكريات، وخسرنا ثقة كدنا نظن أنها لن تعود. لكن هذا الخبر الصغير، في حجمه أمام الدم المسكوب، يحمل لنا معنى أكبر من طاقته: أن العجلة التي توقفت ستدور من جديد، وأن صالاتنا ستعود لتشهد لقاءات الفرح والفراق، وأننا نحن الموظفين، الذين بقينا هنا، سنشهد قيام هذا المطار من تحت الرماد، كما يشهد الإنسان نفسه وهو يولد من جديد.
لسنا سذّجاً لنظن أن الجراح اندملت، أو أن الخراب قد انتهى. لكننا نعلم أن الحياة تبدأ من خطوة صغيرة، من صوت إعلان رحلة، من باب يُفتح لمسافر، من عودة الخرطوم إلى خارطة العالم. وهذه الخطوة، بالنسبة لنا، ليست حجزاً إلكترونياً، بل وعداً صريحاً بأن السودان سيعود.
غالب عوض الماحي.
موظف بالطيران المدني.
شارك هذا الموضوع